أدت العقوبات الأميركية التي دخلت حيز التنفيذ في 5 نوفمبر إلى عرقلة قناة المشتريات التي تم إعدادها لتنظيم واردات إيرانية معينة في أعقاب الاتفاق النووي، لكن خلال السنوات الثلاث تقريبا منذ تأسيسها، لم تقنع القناة المشككين بأن طهران قد تخلت عن طموحها لتطوير أسلحة نووية. وفي الواقع يخشى كثيرون من أن تؤدي العقوبات المتجددة إلى دفع إيران إلى تسريع جهودها لتحقيق هذه الغاية، سواء من خلال مواصلة الأنشطة النووية غير المعلنة، أو تخزين مكونات من أجل تعزيز برنامجها المُعلن إذا انهارت «خطة العمل الشاملة المشتركة» كليا. وإذا ما حصل ذلك فمن المرجح أن يستخدم النظام قنوات سرية، تماما كما فعل في الماضي عندما قام بشراء معدات لتخصيب اليورانيوم وتقنيات أخرى.

كان بالإمكان تطوير جزء كبير من البرنامج النووي الإيراني الحالي بفضل مساعدة شبكة أنشأها العالِم النووي الباكستاني عبدالقادر خان، حيث استخدمت إيران أساليب مماثلة عندما أطلقت برنامجها النووي الخاص في التسعينات، فأسست شركات واجهة وطلبت إمدادات بحجة أنها لغرض أبحاث جامعية أو للاستعمال التجاري، وأعادت شحن المكوّنات عبر دول ثالثة. ومن خلال هذه الموارد، تمكن النظام من شراء عناصر أجهزة الطرد المركزي، ووثائق تصميم مُطلِقات النيوترون، ومعدات إنتاج الزركونيوم، وتصاميم الصواريخ، وأشكال مختلفة من اليورانيوم وغيرها من المواد الضرورية، بطريقة غير شرعية.

ويعدّ انخفاض حجم الشحنات التي تتم عن طريق القناة الرسمية مؤشرا آخر على استمرار المشتريات السرية، حيث تلقت القناة 37 طلبا فقط لعمليات نقل بين فترة تأسيسها عام 2016 وتوقيت تقريرها الأخير الصادر عن الأمم المتحدة في يونيو الماضي (ومعظمها من ألمانيا)، وكان القسم الأكبر من هذه الطلبات يتعلق بالبضائع ذات الاستخدام المزدوج، والتي يمكن أن تكون لها أهداف نووية، لكن بدا أنها أُرسِلت لاستخدامها التجاري المعلن في قطاعات السيارات والنفط/ الغاز والأدوية والطب والبناء.

وبالفعل، تمّ رفض طلب رسمي واحد عبر القناة على الأقل: فقد أوقفت بريطانيا عقدا لكازاخستان أمده 3 سنوات يقضي ببيع 950 طنا من كعكة اليورانيوم الصفراء إلى إيران. علاوة على ذلك هناك بعض المواد التي تتلقاها إيران لاستخدامها في محطاتها النووية في «فوردو» و«آراك» مُعفاة من المرور عبر قناة المشتريات.

ويتمثل سيناريو محتمل وأكثر مدعاة للقلق في قيام طهران باستغلال ثغرة في قناة المشتريات، أي منفذ يضع المسؤولية عن طلب الموافقة على المزوّد بدلا من إيران. وبشكل أساسي يسمح هذا البند للنظام بتجنب القناة، ومن ثم التظاهر بالغباء عند انكشافه.

إن كافة المواد المحددة في هذه التقارير مثيرة للقلق من منظور الانتشار النووي. فالتنجستن الذي وُجد في المضبوطات التي صادرتها الإمارات يمكن استعماله كبديل لليورانيوم في اختبار تصاميم الأسلحة، وكعاكس داخل سلاح نووي عامل، وكمكوّن في برنامج الصواريخ الباليستية. وقد سبق لإيران أن اشترت التنجستن بصورة غير مشروعة من شركة صينية، وإن لم يكن ذلك في الشكل الأسطواني الذي اكتشفته الإمارات.

إن الصين وروسيا معفاتان، اليوم، إلى حد كبير من استعمال قناة المشتريات، إذ إن مشاريعهما الرئيسية المعلن عنها مع إيران تخدم أهداف حظر الانتشار النووي، وعلى الرغم من أنه يتعين على الولايات المتحدة دعم هذه الأهداف، إلا أن المفارقة هي أن بكين وموسكو هما الدولتان نفسهما اللتان ساعدت مساعدتهما السرية والعلنية على إدارة كثير من أنشطة الانتشار النووي الإيراني في الماضي.

وبالفعل، فإن تاريخ المجتمع الدولي المتمثل في منع البلدان من الحصول على تكنولوجيا نووية حساسة أمر مخيّب للآمال، ولا شك في أن المسؤولين الإيرانيين يدركون هذا الواقع، وسيكون من الحكمة أن تولي واشنطن هذا الأمر اهتماما الآن في ظل تطبيق العقوبات مجددا. ومن الناحية العملية يعني ذلك الإقرار أن منع الانتشار النووي يتطلب جهدا عميقا ومستمرا وفعالا لجمع المعلومات الاستخباراتية، أي مسعى يتخطى الحظر الدوري للشحنات الفردية ذات الاستخدام المزدوج.


إلينا ديلوجر سايمون هندرسون



* ديلوجر، محللة نووية سابقة في «مكتب مكافحة الإرهاب»

* هندرسون، مدير «برنامج برنستاين»

* معهد واشنطن