بدون أدنى شك أن ما حدث في مسجد النور أثناء صلاة الجمعة في وسط ضاحية «كرايست شيرش في نيوزيلندا» التي راح ضحيتها فوق الـ50 مصليا شهيدا، تعدّ جريمة إرهابية بشعة، بكل ما تعنيه الكلمة، ومن نفذها فهو إرهابي متطرف أسترالي يدعى «برانتون تارانت»، وإن اختلف تعاطي وسائل الإعلام سواء العربية أو الغربية أو بعض الأشخاص في تسمية الجريمة والمجرم، وسموها «هجوما، إطلاق رصاص، مسلحا، اعتداء، استهدافا، رجلا مسلحا، منفذ الهجوم، إطلاق نار، قتلى، ضحايا»، فما حدث هو «عملية إجرامية إرهابية» مثلها مثل كل العمليات الإرهابية التي تستهدف الأبرياء عربا كانوا أم عجما، مسلمين أم غير مسلمين، ومن قام بها هنا أو هناك فهو «إرهابي»، وكل عمل إرهابي يستهدف الأبرياء فهو عمل مرفوض ومدان، ولا يمكن إقراره أو الدفاع عنه أو التعاطف مع منفذه، وبهذا يجب تسمية الأشياء بأسمائها. ومن هنا وبالنظر إلى ما جرى لشهداء مسجد النور، فهم ضحايا تلك التعبئة والشعارات التي روج لها كثير من أهل السياسة والإعلام، ولما تردده الآلة الإعلامية في الغرب، حيث تم ضخ دعاية «الإسلاموفوبيا» بدوافع من الكراهية، ولتحقيق مكاسب انتخابية، حتى جعلت من المسلمين في كل أنحاء أوروبا وأميركا، مشاريع إرهاب، وبالتالي تم إلصاق «الإرهاب بالمسلمين كبشر من دون البشر، وبالإسلام كدين من بين الأديان»، مع أن الدين الإسلامي دين رحمة وتسامح وتعايش وسلام واعتدال، دين يدعو إلى نبذ التطرف والعصبية والعنصرية ومحاربة الغلو، دين يشجع على التعايش والتآخي والسلام، لأن المسلم يؤمن بأن كل إنسان بحسب معتقده وأفكاره وأعماله وتصرفاته، مسلما كان أم غير مسلم، أطاع الله أم كفر، إنما هو مسؤول أمام الله عما قدم من أعمال حتما سترحل معه إلى الدار الآخرة، «فمن يعمل مثقال ذرة خير يره ومن يعمل مثقال ذرة شر يره»، وإن حدث وخرج من يمارس الإرهاب باسم الإسلام، سواء في بلاد الإسلام والعرب، أو في أي مكان في العالم، فهو في نظر كل مسلم عاقل «إرهابي مجرم»، ولا يمكن لمسلم ما، يفهم حقيقة دينه، وجوهر تعاليمه السمحة، أن يؤيد قتل الأبرياء وهم في مساجدهم أو كنائسهم أو في بيوتهم أو في مقار أعمالهم، أو في شوارعهم أو في أي مكان ما، أيا كانوا وممن كانوا، سواء باسم الدين أو باسم أي معتقد أو فكرة، وبدون سبب، فالإرهاب يبقى إرهابا، لا لون له ولا دين ولا مذهب.

وأنا اليوم كل ما أخافه أن يتكرر المشهد الإجرامي الذي شهدته نيوزيلندا في موقع آخر، لأنه بكل أسف لا تزال هناك بيئة خصبة في أوروبا، تعمل على تنمية العداء للإسلام والمسلمين والمهاجرين بوصفهم غزاة، وتدعو إلى قتلهم ومراقبتهم وطردهم، وتحرض على مراقبة مساجدهم، وتضييق مساحات العيش عليهم، وتقييد حرية حركتهم، كل ذلك يجري بزعم مكافحة الإرهاب، وبفضل الدعاية التي غذت التطرف اليميني في أوروبا وأميركا دعاية «الإسلاموفوبيا»، ونسوا أن التطرف والإرهاب والكراهية، هي مشكلة كل الشعوب، وتظهر في كل المجتمعات، طالما أن هناك من يعمل على تغذية الكراهية والعصبية ومحاربة الآخر ونبذه.

وقد كشف ظهور الشعارات المتطرفة المكتوبة على سلاح المجرم الإرهابي «برانتون تارانت»، وهي تحمل أسماء ووقائع وأحداثا سابقة، من بينها أسماء لإرهابيين غربيين، قادوا عمليات إرهابية ضد مسلمين أبرياء في كندا والسويد وألمانيا وغيرها، أنها تؤكد وتعطي إشارات واضحة، ودلالات بارزة، على أن هناك من يعمل على تغذية الكراهية في أوروبا في وسائل الإعلام وميادين السياسة ضد المسلمين والعرب، ويذكر دوما أنهم عنصر غريب وشاذ، وأنهم قد ضيقوا على السكان الأصليين في معاشهم، وعلى المجتمعات الغربية التخلص منهم، هذه الشعارات ودعايات الكراهية والعنصرية هي من شجعت برانتون تارانت على جريمته الإرهابية، وإذا ما استمر خطاب الكراهية فقد يظهر من يكرر محاولته بوصفه بطلا يجب حذو مسلكه الإجرامي، ما لم تتم معالجة الأمر من قبل الحكومات ووسائل الإعلام والساسة في الغرب وأميركا، ويتم كتم صوت اليمين المتطرف الذي يعمل على تنمية المخاوف في أوروبا ضد المسلمين والإسلام، بدلا من تذكير المتطرفين الغربيين بدور الإسلام والمسلمين في نشر العلم والمعرفة والتواصل مع أوروبا، وأن خطاب الكراهية سيكون هو المسؤول عن أي عملية وحشية ستتكرر حينما ينظر إلى المسلمين على أنهم غزاة وإرهابيون.

وكمتابعين لما حدث بقلوب متألمة وأعين دامعة «فمن لم يهتم بأمر المسلمين فليس منهم»، نسأل الله أن يرحم شهداء مسجد النور، وأن يحفظ الإسلام والمسلمين، فلا يمكن لنا أن نأخذ كل أوروبي أو أميركي بجريرة مجرم متطرف إرهابي «كبرانتون تارانت»، ففي شعوب أوروبا وأميركا من كان أصدق عاطفة، وألين قلبا، وأكثر ندما وحزنا، وألطف عبارات، وهو يظهر مشاعر الألم والتعاطف في وسائل التواصل، وفي الفضائيات حول ما حدث للمصلين بمسجد النور، من بعض «بني جلدتنا» مع الأسف، من الذين لم يوفقوا في التغريد والتعبير حول ما حدث، ولو صمتوا لكان أفضل لهم في هذا الظرف.