السعودية Tech، هكذا تمتمت بعد أن قمت بتنفيذ عدد من العمليات الإلكترونية لمعاملات تجديد رخصة القيادة، ورخصة سير السيارة، وبطاقة الهوية، ومعاملات في المحكمة، مستخدما التطبيقات الإلكترونية الذكية من على هاتفي الجوال، لم يستغرق تنفيذها سوى دقائق معدودة، ولم يكلفني بعضها سوى الحضور لمعاينة السيارة وتسجيل الفحص الطبي، أو تسجيل بصمة، وهو حضور شخصي لمرة واحدة فقط لصالحي 100%.

بعد أيام قليلة جدا، تذكرت وأنا أتسلم البطاقات من الفتى السعودي الأنيق موظف البريد، كيف كنت أتجشم عناء المراجعات بين المكاتب والدوائر الحكومية التي تزدحم بالمراجعين، خاصة وأنني أسكن على بعد 45 كم عن بعض الدوائر الحكومية التي يجب مراجعتها لإنجاز الأمر، فما بالكم إذا كان الأمر متعلقا بأكثر من ثلاث إلى أربع دوائر حكومية، موزعة على عدة أيام متلاحقة ومتقاربة، هذا يعني أنني أمام قرار حتمي بالتضحية بأعمال ومهمات أخرى..!! وتذكرت أكثر انتظاري على أبواب مكاتب الموظفين – التي أتوقع أن تصبح قريبا تراثا من الماضي -، ريثما يفرغ الموظف من بعض المهام أو ينجز معاملة بين يديه، أفكر في يوم آخر من ضياع أشغالي الأخرى وعناء المراجعة في أيام لاحقة أعلم متى بدأت، ويعلم الله متى سوف تنتهي.

الواقع اليوم يقول إن المملكة العربية السعودية وخلال أقل من 1000 يوم قطعت شوطا كبيرا جدا على طريق التحول إلى الحكومة الإلكترونية الحديثة، أو ما يسمى بالحوكمة الإلكترونية – أي تطبيق النظام الإلكتروني والاتصالات - على الوظائف والمعاملات وكافة الإجراءات لزيادة الكفاءة في سرعة إنجاز المعاملات الحكومية الخاصة بالمواطنين والمقيمين، وهو ما يعني قطع الطريق على كل من يحاول التكسب أو التزوير أو التهرب أو التغيب أو الاستخدام غير المشروع لأنظمة الدولة من جهة، وتحقيق أعلى مستويات الراحة للجانبين الممثلين لعملية الخدمة، الموظف والمراجع، كما تحقق الحوكمة الإلكترونية قدرا كبير جدا من الشفافية، يمكنه أن يوفر الوقت والجهد على الجهات الحكومية الأمنية من خلال توفيره للمعلومات الدقيقة والتي يمكن الحصول عليها بسرعة فائقة، لتقوم الجهات الحكومية المعنية بالأمر بمهامها بأعلى قدر من الكفاءة، ومن محاسن هذا النظام تسهيل التعاملات بين كافة الأطراف في مختلف أعمال القطاعين الحكومي والخاص بلا استثناء، وجعل العمل يسير وفق منظومة محكمة لا تخضع سوى للنظام الذي تقره الدولة عبر تشريعاتها، وهذا يعني تضييق الدائرة على الفساد والفاسدين، وزيادة إنتاجية الموظفين، والقضاء أو الحد من تذمر المواطنين من تأخر الخطوات الإجرائية على معاملاتهم، وهذا ما كان مأمولا تطبيقه في المملكة قبل أكثر من عقد على الأقل.

من وجهة نظري، أظن أن المملكة قد أنجزت حتى الآن المهمة الأصعب في مشروعها للتحول نحو الحوكمة والمتمثلة في إقناع الشارع بضرورة التخلي عن النموذج السابق للتعامل مع المستندات الحكومية، فبناء الثقة المتبادلة على هذا الجانب يعتبر مربط الفرس الأهم لسير بقية عملية التحول، فبدونها سيظل كل في مكانه، أو بالأصح سيتحرك الطرفان كما تتحرك السلحفاة نحو المستقبل.

المشروع السعودي للمستقبل أكثر طموحا وإصرارا على المضي قُدما، وهو مشروع الريادة العربية الأضخم في المنطقة بالكامل بلا مبالغة، فالمملكة حاليا هي الوجه الأكثر وضوحا للتحول التقني والاجتماعي والثقافي العربي في الشرق الأوسط، وما نراه اليوم من انفتاح على العالم، وتنفيذ مخططات المشاريع التي تفكر في المستقبل، كمشروع نيوم الذكي، وإنعاش المدن الاقتصادية، وتفكير صُنّاع القرار السعودي بالاستثمار في الذكاء الاصطناعي والتقنية، يرسم تفاصيل واضحة لمعالم الغد لهذا البلد العظيم.

 قراءة المشهد تقول إن تضاعف سرعة اتخاذ القرار في السعودية مئات المرات عن ذي قبل، يعطينا مؤشرات مؤكدة على أنها قررت بثقة أن تكون في المقدمة، ومن أجل تحقيق ذلك بكفاءة، شرعت في تطبيق الحوكمة الإلكترونية التي ترتكز على ثلاثة أسس رئيسية، هي:

1. المساءلة

2. المرونة

3. الحكم العادل

وتطبيق ذلك كاملا، يعني أن السعودية Technology على العتبات، وهذا التفكير محل فخر وطني دون شك.