هي باختصار ليست بائعة شاي فقط، هي مدرسة في مواجهة مصاعب الحياة، وعلى تجاعيد وجهها تبرز أقوى قصص الكفاح، حكايتها تجتمع فيها كل عناصر القصة الصحفية، إلا أن هذه القصة لم تُرو إلا بعد موتها، بعد أن فارقت الحياة أمس، ومن اليوم سيكون شاي أم عبدالله بلا طعم ولا سكر، بعد 20 سنة من البيع على رصيف كورنيش الخبر.



طلب الرزق

أم عبدالله دفعتها ظروفها المالية -بعد وفاة زوجها- إلى طلب الرزق بفرش بساطها على رصيف كورنيش الخبر، لم تكن لديها رؤية اقتصادية لبناء علامة تجارية تنافس جيرانها من المقاهي أصحاب العلامات التجارية العالمية، رغم أنهم يشكلون قوة، فلا يقبل أي زبون الوثوق بشاي على رصيف يغلي على موقد نهشه الصدأ.

لم تخش، ونزلت متسلحة بلباسها المحتشم، وموقدها الصدئ، وبعضا من الشاي الذي استدانته من البقال الذي حكت بأنه أول الممولين لمشروعها، فبدأت العمل دون أن تنتظر تأنيث المهن من وزارة العمل، دون أن تخشى سهام القول وتهمة الاختلاط، تركت كل شيء، ووضعت أمام عينها كيف توفر لأبنائها قيمة «الفسحة»، حتى لا تكسر عزائمهم أمام أقرانهم.



الشاي بالحبق

على بعد أمتار بسيطة من المقاهي التي تبيع الموكا والكابتشينو، لم تستطع أم عبدالله المنافسة بالشاي الذي تبيعه سوى إضافة الحبق، ولم توفر الحلوى الفرنسية أو التشيزكيك، التي كانت المقاهي تبعيها بـ30 ريالا لزبون متكئ على كرسي وطاولة وينفخ سيجارة في الهواء على نسمات الشاطئ، فقدمت لزبائنها الفصفص وقطعا من المعجنات وكيك الدخن التي تصنعها في منزلها.

تفوقت قدرة أم عبدالله في مواجهات منافسيها خلال المنتجات، ولكن تعاقب الفصول وتقلبات الأجواء في المنطقة الشرقية أضعف حظوظها في المنافسة أمام الأماكن المغلقة التي تنافسها، فبدأت في فصل الصيف بوضع قماش يقيها الشمس، ومروحة تنفث هواء قد يكون ساخنا، وذلك الموقد الصدئ لمواجهة لسعات البرد.

وكان الزبائن يصيحون من داخل المركباتهم «يا أم عبدالله واحد شاي حبق» وهي تقوم بتوصيل الطلب إلى الزبون، من أجل بضع ريالات، ومع مرور الأيام أصبحت أم عبدالله لا تستطيع العمل إلا بوجود الأمن الذي كان ينظم عدم تدافع المركبات، ومعاونين لها لترتيب صفوف الزبائن، وفي الجانب الآخر ينظر بحسرة ودهشة مدير ذلك المقهى الذي يقدم البن الإيطالي الفاخر.



كشك خاص

الأزمات لم تغادر أم عبدالله بعد أن أزالت بلدية الخبر بسطتها بسبب مخالفة النظام، فثار محبوها وزبائنها، لتقوم الأمانة بتوفير كشك خاص بها، لتضع بعدها علاماتها التجارية «أم عبدالله» على رأس تلك العربة، وعندما دخلت منذ أيام مستشفى الملك فهد التخصصي، وضع زبائنها على تلك العربة دعوات لها بالشفاء، إلا أن الأجل كان أقرب، لتنتقل إلى رحمة الله، أمس، ليكون شاي أم عبدالله بلا سكر.