استبشر معظم أفراد المجتمع السعودي نساء ورجالا -الذين يعانون مشكلة احتياجهم لسائق خاص أو لسائق سيارة أجرة لتلبية احتياجات النساء- بقرار خادم الحرمين الشريفين الملك سلمان بن عبدالعزيز، حفظه الله، والذي يقتضي السماح للمرأة بقيادة السيارة، مما يسهم ذلك الأمر في تخفيف العبء على معظم الأُسر بشكل عام وعلى المرأة بشكل خاص.

حيث جاء إصدار قرار السماح للمرأة بقيادة السيارة في تاريخ 7/ 1/ 1439 والذي ينص على ما يلي: «اعتمدوا تطبيق أحكام نظام المرور ولائحته التنفيذية، بما فيها إصدار رخص القيادة على الذكور والإناث على حدٍ سواء، وأن تشكل لجنة على مستوى عال من وزارة الداخلية ووزارة المالية ووزارة العمل والتنمية الاجتماعية لدراسة الترتيبات اللازمة لإنفاذ ذلك، وعلى اللجنة رفع توصياتها خلال ثلاثين يوما من تاريخه، ويكون بدء تنفيذ قيادة المرأة للسيارة في تاريخ 10/ 10/ 1439».

وعندما نتمعن قليلا في جملة «على حد سواء» ونبحث عن معناها في القاموس العربي نجد أن (معجم المعاني الجامع) قد فسرها كما يلي: «على حد سواء، أي: على نفس الطريقة».

لذا فإن الأصل في مفهوم القرار مساواة المرأة بالرجل في أنظمة وضوابط قيادة السيارة، بما في ذلك من رسوم مالية، وتناسب عدد مدارس القيادة مع عدد المتقدمات لطلب إصدار رخصة قيادة السيارة... إلخ.

ولكن الواقع يُشير إلى عكس ذلك.

فهل يُعقل بعد هذه المدة الطويلة من تاريخ القرار والتي أوشكت على أن تقارب السنة ألا نرى سوى عشرات من النساء اللاتي يقُدن السيارة بعد امتلاكهن رخصة قيادة السيارة، في حين أن هنالك عشرات الآلاف من النساء، إن لم يكن أكثر من ذلك، واللاتي ينتظرن دورهن لعمل اختبار رخصة قيادة السيارة.

وهل يُعقل ألا نرى من التجهيزات لمثل هذه القرار سوى قرابة أربع مدارس لتعليم المرأة قيادة السيارة، والتي تنحصر في أربع مدن فقط!!

وهل يعقل أن يتم ربط قيادة المرأة بالسيارة ببعض الجامعات المحدودة التي تعاونت مع الإدارة العام للمرور لإنشاء مدارس لتعليم المرأة قيادة السيارة، مثل جامعة الأميرة نورة بنت عبدالرحمن، وجامعة الملك عبدالعزيز في جدة، وجامعة تبوك في مدينة تبوك، وجامعة الإمام عبدالرحمن الفيصل في مدينة الدمام.

في حين يتم تجاهل مركز دلة لتعليم القيادة، والذي يُعدّ مُعترفا به من قبل الإدارة العامة للمرور بوزارة الداخلية لعشرات من السنين، استطاع خلالها أن يكسب ثقة الناس، وأن يرضي حاجاتهم بكثرة انتشار فروعه بين محافظات ومدن المملكة العربية السعودية، لتسهيل خدمة الرجال في إصدار رخص قيادة السيارة.

مع العلم أن نسبة كبيرة من الرجال، إن لم يكن جميعهم، ممن يبلغون من العمر 18 سنة فما فوق يمتلكون رخصة قيادة السيارة، في حين أن نسبة النساء اللاتي يقُدن السيارة قبل تاريخ 10/ 10/ 1439 تُعدّ صفراً.

لذا فإنه كان من الأولى على الإدارة العام للمرور أن تولي الاهتمام الأكبر لشريحة النساء عن شريحة الرجال في مسألة قيادة السيارة، من حيث تسهيل إجراءات إصدار رخصة قيادة السيارة لهن، بالإكثار من عدد مدارس القيادة وبسعر معقول.

وهل يُعقل أن يتم استغلال حاجة النساء لقيادة السيارة من خلال رفع رسوم إصدار رخص قيادة المرأة للسيارة إلى قرابة 2520 ريالا، في حين أن رسوم مركز دلة لتعليم القيادة للرجال الذين لا يجيدون القيادة، أي أنهم بحاجة للتدريب، لا يتجاوز 500 ريال تقريبا، أي أن تكلفة رسوم رخصة قيادة المرأة للسيارة تعادل 4 أضعاف تكلفة رسوم رخصة قيادة الرجل للسيارة.

في حين إذا أرادت المرأة أن تجتاز كل العقبات والتأخير في إصدار الرخصة فما عليها سوى الالتحاق بالبرنامج الذهبي الذي أطلقته المدرسة السعودية للقيادة في جامعة الأميرة نورة بنت عبدالرحمن بمبلغ يتجاوز الـ10 آلاف ريال تقريبا، والذي يوفر لهن مميزات فئة الطبقة المخملية من عدم وجود انتظار بدلا من الانتظار لأشهر، وقيادة سيارة فاخرة (لكزس) بدلا من قيادة سيارة كورولا، وتدريب في الصالة الذهبية بدلا من فناء الجامعة... إلخ.

وأتعجب هنا من جامعة الأميرة نورة بنت عبدالرحمن بحكم أنها هي الجامعة النسائية الوحيدة في المملكة العربية السعودية التي تناست دورها في دعم ومساندة المرأة السعودية بتسهيل إجراءات قيادة المرأة للسيارة، وأصبح هدفها ماديا بشكل بحت.

وبعد هذا كله.

أتوقع أن الوضع أصبح محبطا لبعض النساء اللاتي قد تحمسن كثيرا لقيادة السيارة، لعدة أسباب وهي:

أولا: قلة عدد مدارس تعليم المرأة لقيادة السيارة.

ثانيا: طول فترة الانتظار لموعد اختبار رخصة قيادة السيارة والتي قد تصل لأشهر.

ثالثا: المبالغة في الرسوم المالية لإصدار المرأة لرخصة قيادة السيارة.

وأخيرا..

أقترح على الإدارة العامة للمرور أنْ تُسنِد تدريب واختبار النساء لقيادة السيارة إلى مراكز دلة لتعليم القيادة، نظرا لكثرة انتشارهم في مدن مختلفة في المملكة العربية السعودية، ولتناسب أسعارهم مع جميع شرائح المجتمع المختلفة.