منذ العصور القديمة والإنسان يسعى جاهدا لإيجاد طريقة تجعله أكثر تنظيما في جميع أحواله وتعاملاته، سواء كان في حالة حرب أو في حالة سلم واستقرار، ولأن من طبيعة القوانين ومن الهدف المنشود منها أنها تنظم جميع أمور حياة البشرية في الدول الآمنة والمستقرة إذا ما تم تطبيقها بحذافيرها، بحيث لا يظلم فيها أحد، مما يعني أيضا أنها وإن كانت تدخل في تنظيم أمور الدول المستقرة فهي أيضا تدخل في تنظيم الدول غير المستقرة، والتي ينشب فيها نزاع مسلح مع دول أخرى بهدف التقليل من آثارها المدمرة، وحتى لا تكون حربا عشوائية ويكون الضحية منها إعدام الجنس البشري بشكل كامل دون تمييز، كما حدث في الحروب التي وقعت سابقا كحرب «يوغسلافيا السابقة ورواندا» التي كانت من الحروب التي وقع فيها أبشع الجرائم وحشية وقسوة ارتكبت ضد الإنسانية في التاريخ، وإذا نظرنا إلى علاقة القانون بالحرب فليس للقانون أي تدخل أو علاقة في الأسباب التي أدت إلى اندلاع حرب أو حتى إيقاف الحرب، وبسبب هذه العشوائية التي نراها في استخدام أدوات الحرب التي تكون بعضها محرمة دوليا، وبالتالي لا تمت بصلة للهدف المنشود منها، وهو إضعاف العدو ومن ثم السيطرة عليه، ولعلنا نذكر هنا ما شاهده رجل الأعمال السويسري (هنري دونان) بعد ساعات قليلة على انتهاء المعركة التي وقعت بين القوات الفرنسية والقوات النمساوية (معركة سولفرينو)، من مناظر بشعة كان السبب الأول لعقد مؤتمر دبلوماسي عالمي أصدر من خلاله المجتمع الدولي قانونا ينظم الحروب، ويعتبر أول قانون صدر في ذلك الوقت، وجعل اسمه (قانون الحرب) الذي دخل عليه بعض التطورات على مر التاريخ، حتى أصبح يسمى في الوقت الحاضر (القانون الدولي الإنساني) الذي اشتمل على أربع اتفاقيات أساسية رئيسة تسمى اتفاقيات جنيف 1949، والذي يهتم بالدرجة الأولى بالإنسان ويوفر له الحماية في حالة الحرب كحماية العسكريين الذين توقفوا عن حمل السلاح تحت أي ظرف كان وحماية المدنيين، خاصة بفئة محددة منهم مثل الأطفال والنساء ومقدمي الإسعافات للجرحى والمرضى ورجال الدين، وتطبق جميع مواده عندما تنشأ النزاعات المسلحة بين الدول للحد من آثارها، وهو القانون الوحيد المنوط به هذا الهدف بعكس باقي القوانين الأخرى، لأن في الحروب جرت العادة أن يتم التركيز على الأهداف العسكرية من منشأة وغيرها، وليس على الأعيان المدنية كالمستشفيات والمساجد والمرافق التعليمية ونحوها، ولا على النفس البشرية، ولكن مع الأسف إننا نرى العشوائيات والانتهاكات للقوانين الدولية التي تحصل بسبب هذه النزاعات المسلحة، مثل المجزرة التي حصلت في قطاع غزة و وأخرى في العراق و سوريا، مما يحتم على المجتمع الدولي ضرورة التصدي لها، وذلك بتفعيل الالتزام بأعراف وقوانين الحرب حتى تصبح لها قيمة تحترمها الدول المتحاربة.