إن المتفحص للأمور والمنصف الموضوعي -أيا كانت مشاعره سلبية تجاه أمر ما- فلزاما عليه أن ينحني للحقيقة، ويتجرد في الحديث عنها «سنة واحدة وخمسة أشهر وحوالي اثنا عشر يوما»، هي فقط العمر الوظيفي للأمير الشاب محمد بن سلمان، الذي أذهلنا بتحركاته ونشاطه الدؤوب، ووضع أفكار المعالجات المحلية اجتماعيا، والانخراط بفاعلية كقوة حاضرة إقليميا.

لا أستغرب شخصيا حجم الهجمة الشرسة والاستهداف الكبير للرجل، لأنني مؤمن أنه يحمل مشروعا كبيرا، والمشاريع الكبيرة لا يسقطها الصغار.

هذا المشروع لا يقف عند رؤية 2030 فقط، والتي بلا شك لها أثر في اقتصاد المملكة، بل واقتصادات دول أخرى، والذي يضع خلالها الأمير الشاب المملكة أمام دورها الريادي، وحسب حجمها الاقتصادي الحقيقي عالميا، وليس كما يعتقد البعض، كخزان وقود للدول الكبرى.

الحديث عن رجل بهذا الحجم ومشروع كبير، بلا شك، يؤدي إلى تصاعد أصوات نشاز من الحاقدين ورواد خلايا الاستخبارات العالمية ومريديها.

قفوا معي بعدالة قليلا، لندرك لماذا يواجه الأمير القائد كل هذا الاستهداف؟

ألم يضع الرجل نفسه في مواجهة أقوى اتجاهات الفكر راديكاليةً في المنطقة، وتحمل تبعات التغيير، واتخذ قرارات طالما زايد الغرب على المملكة حولها؟ ألن يؤدي به مثل هذا التوجه إلى خصومة تلقائية مع أطراف ما؟!

هل ستتركه الامبراطورية الإعلامية للإخوان المسلمين يعمل أو ينجح، وهو يصنفها ويصفها بالإرهاب، ويحملها تبعات كثير من بلاء المنطقة، وهو محق؟

هل تستخفون بقدرات «حزب اللات»، ومن خلفه طهران وكل الدوائر المخترقة إيرانيا في العالم، والذين يعدون هذا المارد عدوا قوّض أحلامهم في الجزيرة على الأقل.

إذًا، كيف بالنقيضين «الإخوان - والشيعة» عندما يصطفان اليوم في معركة واحدة لتشوية الرجل والإساءة إليه، وبكل ما أوتوا من قدرات وخداع وتزييف.

إن قلق هؤلاء ورعبهم يتمثل فيما يحمله الرجل من مشروع تغييري، يرنو إلى قوة اقتصادية وعسكرية مستدامة، ليس للمملكة فحسب.

إن الغرب كان ينظر إلى المملكة ليس باعتبارها شريكا إستراتيجيا، كما هو واقع الحال في كثير من القضايا، بل أرادها الغرب أن تبقى بجانب الظل، ويلوّح الغرب دائما بأن المملكة تعوّدت على ألا تكون للخائنين خصيما، فجاءت شخصية هذا الأمير الشاب لتقلب الطاولة، وتتخذ قرارات إستراتيجية خلقت رؤية مغايرة تماما للمملكة في مخيلة العالم اليوم.

هذه القرارات لا يتخذها سوى قائد استثنائي، فقرار الحرب ليس كأي قرار، لا ينبع إلا من قائد حقيقي، التغييرات الجريئة في البنية المجتمعية السعودية، كل ذلك أثار حفيظة الغرب، واستشعرت بعض دوائره الخطر، وأن هذا القائد الشاب لديه مشروع أكثر تحررا، واستنارة، ويرمي إلى علاقات تقوم على الندية والمصالح المتبادلة المشتركة، بعيدا عن الابتزاز أو الوصاية.

إذًا، أصبحنا أمام ثالوث من أشرس الخصوم، فالغرب يريد أن تظل المملكة بلا أنياب تكشر عنها، والإخوان والشيعة أهدافهما أكثر تعارضا مع هذا المشروع وأميره.

جميع هذا المعطيات تصل بك إلى تفسير موضوعي لحجم الهجمة الإعلامية المهولة لوسائل إعلام هؤلاء، ضد هذا القائد الذي لم يكمل عامه الثاني في منصبه، بينما لم يتحدث إعلامهم عن عشرات الآلاف من الأسرى والمفصولين، من أعمالهم والمسرّحين، تحت دواعي الانتماء إلى فتح الله غولن.

لم يتحدث أحد عمن قضى عشرات السنوات رئيسا للوزراء، ثم فَصَّل نظام دولة كبيرة قميصا ليرتديه، لم يتحدث أحد عن جرائم ملالي طهران والسجون والقتل بلا محاكمات، فقط لمجرد طلب إصلاحات، أو نداء الأحواز بالحفاظ على هويتهم كعرب، بل إن كل آلاتهم الإعلامية فقط تتحدث عن خاشقجي.

والذي استثارني للكتابة، كأمر أول، أنا لست سعوديّا لكنني أدين للمملكة بحقها علي في الدفاع عن الاحتلال الفارسي لوطني عبر وكيله الحصري، وقد ضحّت المملكة في سبيل ذلك بأمور جسام، إنْ على الصعيد الاقتصادي أو بسمعتها الدولية ومحاولات تشويهها، وتزييف حقائق دوافع المعركة، ترتب على هذا حق للمملكة وحكامها في الدفاع عنها، وأميرها الشاب المستهدف اليوم بشكل واضح، من الثالوث الذي تحدثنا عنه، بل وأوجّه دعوة للأقلام الحرة من العرب، أن يتبنوا الدفاع عن هذا الأمير، ليس لشخصه بقدر ما هو دفاع عن مشروعه الذي يحمله.

سيتحدث البعض بأن هناك تحالفات بين المملكة والغرب قديما، وأجيب، هذا صحيح، لكن الأسس التي بنيت عليها تلك التحالفات كانت تخضع لتقديرات الحاكم في حينه، ولم تعد تحقق مصالح المملكة في خضم المتغيرات الدولية الكبرى، وأن تصميم وإصرار الأمير الشاب على تعديل وتصحيح أسس هذه التحالفات، واعتبار المصلحة والكيان الوطني هو أس لأي تحالفات قادمة، كل ذلك حوّله إلى هدف للسهام المسمومة التي باتت تتناوله كل يوم.

أليس جمال خاشقجي مواطنا سعوديا؟ لماذا يقف المثقفون والكتاب عاجزين عندما تنطلق الآلة الإعلامية المهولة للغرب أو جزيرة الإخوان أو غيرها في تهويل أمر ما؟ لماذا لا يتحدث الناس عن الجانب الآخر في القضية؟

لأن هدف هؤلاء هو الوصول إلى الإساءة للقائد الشاب وعرقلة مسيرته ومشروعه.

لماذا لا يلام ترمب على عزل إدارته كل يوم وتبديلها بسبب شكوك حول التعامل مع الروس؟ ولم يلام بوتين على ضم القرم في ليلة ويوم، ولم يخاطب أحد إردوغان عن الحريات والإنسانية والصحفيين ونصف جيشه في السجون، وأغلقت مؤسسات علمية وأكاديمية؟ كل ذلك لأن الحديث يدور حول الأمن والبعد القومي للدولة، أين يا ترى يقبع عبدالله أوجلان اليوم؟ لماذا لا تستضيف جزيرة الإخوان محللين أكاديميين لتناول العلاقة الحميمة بين إيران وتركيا؟ أليس تركيا بها الخليفة المنظر، وطهران بها شتامو الصحابة من الروافض؟ لماذا تتوجّه سهام كل هؤلاء مجتمعة نحو اتجاه واحد؟ ألم نقرأ في الأثر «أنه إن أردت معرفة الحق فما عليك إلا أن تتبع سهام أهل الباطل، فأينما وجدتها تستقر فإنه الحق».

لماذا لم تتخذ أوروبا، وهي تدّعي أنها راعية حقوق الإنسان، إجراءً رادعا للقتلة على أراضيها، بل تستضيف وتصدر فِيَزاً لمن يقتل اليمنيين ويسجنهم وينتهك كرامتهم كل يوم؟

إن ما يحدث من ضجيج ليس من أجل خاشقجي، بل لقد خلق الإخوان -وبمساندة عدد من وسائل الإعلام والدوائر الاستخباراتية الغربية- من هذه القصة وسيلة للنيل من شخصية الأمير الشاب وتشويهه، أملا في إسقاط مشروعه الذي يتجاوزهم.

إن الارتباط العضوي بين خاشقجي والإخوان وكرمان اليمن والممثلة للتوجه نفسه، جعل الآلات الإعلامية للإخوان تبدو مفضوحة في انحيازها الفاضح والمتحامل في تناول المسألة، توافقت هذه الإرادة بالطبع مع المد الإيراني الشيعي، والذي تتفق أهدافه مع هؤلاء في الإساءة إلى ابن سلمان، وتقويض مشروعه الذي يحطم أحلامهم.

جاء كل ذلك مرتبطا لدى بعض الأنظمة الغربية بتهديد إيقاف التدفقات الاقتصادية المفتوحة للغرب مستقبلا، على مدى متوسط وبعيد، مما يهدد بقاءهم كشرطي يحرس المنطقة.

نجد أن هذا الثالوث شكّل اصطفافا بات يقف خلف هذا الكم الهائل من الإشاعات والأراجيف والتشوية المتعمد لهذا الشاب، الذي لم يرتكب جرما سوى أنه أراد لشعبه وأمته مزيدا من استقلالية القرار، وتعدد الموارد الاقتصادية، وتحديثا للفكر المجتمعي عبر تخطيط علمي للمستقبل، بما يجعل شعبه ووطنه سيد قراره، تأكدوا أن هذه هي الجريمة الوحيدة التي يساء اليوم إلى ابن سلمان من أجلها.

لقد راقبتُ قمة قادة العشرين المنعقدة أخيرا في الأرجنتين، وراقبتُ التحركات والانجذاب الكبير من عدد من قادة العالم لهذا الشاب، وكان هذا الدافع هو السبب الثاني الذي جعلني أقرر أن أكتب مقالي هذا.

لقد تعامل هذا الأمير مع لحظات لقائه بالكبار، تعامل بحجمهم، بل لم يبدُ وهو يضرب يد القيصر بوتن أنه أمير ثلاثيني قادم مما يسمونه عالما ثالثا، بل كانت طريقته الندية في المصافحة، وكأنه يرأس الدولة السادسة الدائمة العضوية.

حقا، المرء يضع نفسه حيث يشاء، إن الكاريزما الرهيبة التي يتمتع بها الرجل إلى جانب الإمكانات الاقتصادية المهولة للمملكة، وموقعها ومساحتها الجغرافية المهمة، إلى جانب العمق الديني كمركز لأكثر من مليار إنسان، كل هذه تؤهله للعب أدوار عالمية يعول عليها كثيرا، ولن يتأتى ذلك إلا بالدخول مع الكبار وامتلاك القوة العسكرية الرادعة.

جاءت كلمة الرئيس بوتن التي أكد خلالها شكر المملكة، والأمير الشاب بالذات، على دورها في استقرار أسعار النفط. جاء هذا ليؤيد الدور المحوري للمملكة اليوم للتأثير في الاقتصاد العالمي، عبر امتلاك القرارات الحاسمة بحزم وعزم وأمل.

أخيرا، إن الجولة المكوكية التي قام بها الأمير القائد قبل عقد القمة لعدد من الدول العربية، حملت في طياتها رسائل كثيرة، وللغرب على وجه الخصوص، إن القادم إليكم ليس قائدا محليا أو مجرد نائب جاء يمثل أباه، بل قائدٌ يحمل حضورا عربيا وقوميا، وله قراره على مستوى المنطقة، وإن التعامل مع هذا القائد لا بد أن ينطلق من هذه المعطيات، في حين تفكرون في مصالحكم في المنطقة، فلا بأس شريطة أن تأتوها عبر رجالها الأقوياء، لا عبر التوظيف السلبي للتباينات وخلق عصابات ومتطرفين، والجواسيس الجدد، عبر ما بات يعرف بـ«النشطاء».

ولإدراك هذه الأطراف، أن حضور الرجل سيخطف الأنظار، لما يمتلكه من كاريزما وحضور كبير على المستوى الشخصي، وما تقف خلفه من إمكانات كدولة، فقد حرص هؤلاء على إحداث ضجيج إعلامي وتهويل، وصل حد التهديد والتلويح كذبا، بأن دولا تهدد إنْ حضر سمو الأمير باتخاذ أمور ما ليست سوى في مخيلتهم فقط، معتقدة أنها قد تثني الرجل أو تقلل من عزيمته، فكان زيادة في العزم والنجاح، وهذا ما جعلني أعتبر هذه القمة هي «قمة التحدي» بالنسبة للأمير القائد.

لقد كنت فخورا وأنا أتابع هذا الشاب العربي بثوبه وعقاله بين كل هذه الزعامات، والكل حريص على التودد له والتقرب منه.

هل فهمنا معا لماذا يراد لهذا الأمير الشاب أن تلوح حوله كثير من التهم والشبهات والأقاويل؟

لأن مشروعه التغييري ليس هلاميا أو إعلاميا، بل يسعى بخطوات تنفيذية -وعلى أسس موضوعية اقتصادية وقبلها اجتماعية- تبدأ بالإنسان السعودي وتعيد بناءه فكريا.

أوجّه دعوة خالصة إلى الشعب السعودي العزيز، بل والعرب، بألا يستعجلوا النتائج، وأن يصطفّوا لدعم هذا القائد العربي الشاب، ولا بد من يوم قريب للحصاد.