بعيدا عن حياة العشاق، وقصص الغرام التي اعتدنا فيها سماع المقولة الشهيرة «ومن الحب ما قتل»، والتي ما زلنا نرددها حتى يومنا هذا، وفي مختلف المناسبات، لست هنا بصدد ذكر المناسبة التي ضرب فيها هذا المثل وأبطاله. باختصار، في كثير من الأحيان، تنقلب العواطف الطيبة والمفعمة بالحب إلى عكس المراد منها.

فالحب شي عظيم، ومن المفترض أن مخرجاته أشياء عظيمة تلائم هذه الهبة الإلهية، والتي لا يملكها أو يحظى بها كل الناس.

تختلف وتتنوع المشاعر، لكن يشير الحب دائما إلى شعور الانجذاب القوي والتعلق العاطفي.

كثير من الأحيان، يقوم الأشخاص ببعض التصرفات بدافع الحب، ولكن قد تؤدي تلك التصرفات -لا قدر الله- إلى نتائج وخيمة لا يحمد عقباها، ومن شأنها أن تحدث أضرارا جسيمة.

فنرى -على سبيل المثال- حمل الأطفال الرضّع خلال قيادة السيارة، والتي انتشرت في المجتمع حتى أصبحت ظاهرة «موضة» غير حضارية وخطيرة على حياة الطفل في المرتبة الأولى، وحياة الآخرين في المرتبة الثانية.

حب الأبناء يتطلب توفير أقصى درجات الحماية لهم، وإبعادهم عن مناطق الخطر، فالحوادث تقع في ثوان بسيطة كلمح البصر.

لذلك، شرعت الجهات المعنية في وجوب توفير المقعد الإضافي المخصص للأطفال، وضرورة الالتزام بالتعليمات والتوجيهات الصادرة، والمتعلقة بهذا الخصوص والتي من شأنها الحد من الأضرار.

لله القدرة المطلقة، وكل شيء بيده -عز وجل- ولكن الإجراءات الوقائية مطلوبة، وهي تصب في مصلحة الأفراد والمجتمعات.

حب الآباء للأبناء، لا يعني إعطاءهم الحرية المطلقة في استخدام الأجهزة الإلكترونية الحديثة، أو التكنولوجية المختلفة، أو كما تعرف «الأجهزة الذكية» دون أي رقابة أو قيود.

على الرغم من فوائدها المتعددة، إلا أن للأجهزة التكنولوجية تأثيرات سلبية، كما أشارت إليها كثير من الدراسات الحديثة، إضافة إلى ظهور السلوكيات السلبية والعزلة الاجتماعية، وضعف التحصيل العلمي، فإن الاستخدام المفرط للأجهزة الذكية في غالب الأحيان، يتحول إلى الإدمان على الأجهزة وما تصاحبه من أعراض، كحدوث نوبات من الصرع.

كما أن الاستخدام المفرط للأجهزة الذكية، هو سبب رئيسي في انتشار كثير من الأمراض عند الأطفال مثل: التوحد، وتأخر النطق، وأمراض العيون، والتشنج في عضلات العنق، وألم أسفل الظهر، وخمول وكسل في العضلات، واضطرابات في النوم. يجب وضع الضوابط على استخدام الأجهزة الإلكترونية: كتحديد مدة الاستخدام، ومراقبة الألعاب والمواقع المستهدفة، يحفظ الأطفال من تلك التبعات، ويقلل من أثارها السلبية، ويجنب الزيارات المتكررة للطبيب المختص، والتي لا يضمن أحد أن تكون حلا للمشكلة، وتعطي الفائدة المرجوة.

الدلال الزائد للأطفال، من المظاهر التي يتفاخر بها كثير من الأسر، دون معرفتهم إلى ما قد تؤول إليه في نهاية المطاف.

يحذّر رجال التربية الأسرية، والأطباء النفسيين المتعاملين مع الأطفال، من العواطف الجياشة التي تصيب عاطفة الطفل بالتخمة «الشعور بالاكتفاء»، وتجعله عاجزا عن الارتباط بأقرانه، وتعزز داخله حب الوحدة والانطواء. الإفراط في دلال الأطفال، يضعف مقدرتهم على الاعتماد على أنفسهم لإنجاز مهام في غاية البساطة، أو مواجهة متاعب الحياة ومصاعبها.

آثار وأضرار الدلال الزائد تتعدى مراحل الطفولة، إذ تنعكس مستقبلا على شخصيته وتصرفاته، وحتى طريقة تربيته لأبنائه.

لذلك، ينصح التربويون والاختصاصيون بضرورة أن يعتدل الأهل في تربية أطفالهم، وعدم المبالغة في تدليلهم، أو إهمالهم وحرمانهم كذلك، على حد سواء.