رغم أن الانقلاب الفاشل أو«المدبر» من قبل نظام رجب طيب إردوغان الحاكم في تركيا مر عليه أكثر من عامين، إلا أنه بات «الشماعة» التي يعلق عليها النظام اعتقالاته المستمرة للمدنيين والعسكريين والتي كان آخرها اعتقال 100 من عناصر الجيش، أول من أمس، وجهت إليهم اتهامات بأنهم على صلة بالمعارض فتح الله جولن، المنفي في الولايات المتحدة والذي تتهمه أنقرة بأنه وراء انقلاب 2016.

وكان قد تم طرد أكثر من 8 آلاف و500 من عناصر القوات المسلحة، بمن فيهم 150 لواء، من مناصبهم منذ محاولة الانقلاب لصلتهم المزعومة بجولن وغالبيتهم يواجهون محاكمات ضدهم أو تمت محاكمتهم بالفعل.

كما أعلنت وزارة الداخلية التركية في وقت سابق عن اعتقالها أكثر من 52 ألف شخص خلال عام 2018؛ بنفس الاتهامات المزعومة بأنهم على صلة بجولن.

وتحت مزاعم التورط في الإرهاب، كشفت الوزارة عن تنفيذ 130 ألفا و640 عملية أمنية في الداخل شاركت فيها مختلف الأجهزة الأمنية، اعتقل خلالها 750 ألفا و239 شخصا. وبحسب تقارير منظمات حقوق الإنسان الدولية، خضع 402 ألف شخص للتحقيق منذ محاولة الانقلاب، أوقف منهم نحو 60 ألفا، كما فصل من العمل أو أوقف نحو 175 ألفا من مختلف هيئات ومؤسسات الدولة.


الفرار إلى الخارج


وجاء مردود هذه الأرقام في صورة بيانات لهيئة الإحصاء التركية والتي أشارت إلى زيادة بنسبة 42 % في عدد الفارين من تركيا خلال عام 2018 بواقع 253 ألفا و640 مهاجرا، فيما نشرت صحيفة «نيويورك تايمز» الأميركية، تقريرا نشر مؤخرا، جاء تحت عنوان «الأتراك المعارضون لرؤية إردوغان بشدة يحملون ثرواتهم ومهاراتهم ويغادرون البلاد في أسراب»، مؤكدة فيه تسجيل معدلات الفرار من تركيا إلى أرقام قياسية، بسبب محاباة النظام لأقاربه والاستبداد المتزايد في البلاد.

وأوضحت الصحيفة أنه لأول مرة منذ تأسس الجمهورية التركية، تسبب الخوف من النظام في مغادرة عائلات الطبقة العليا التي تشكل الحياة الثقافية والعملية بتركيا، لافتة أن هناك الكثير من الأتراك هاجروا عن طريق شراء أملاك في اليونان والبرتغال وإسبانيا.


 


هروب الأموال


أشارت الصحيفة إلى تقرير هجرة الثروات الدولي الصادر عن بنك AfrAsia بشأن تركيا، حيث كشفت البيانات عن نقل 12 ألف مليونير تركي على الأقل ثرواتهم إلى خارج تركيا خلال عامي 2016 و2017 وهو ما يعادل 12 % من فئة أصحاب الثروات بالبلاد.

وذكر التقرير أن غالبية هذه الثروات توجهت إلى أوروبا والإمارات العربية المتحدة، كاشفا عن ارتفاع إسطنبول إلى المرتبة السابعة في ترتيب الدول التي تشهد هجرة أصحاب الثروات، مفيدا بأنه بالنظر إلى الانهيارات البارزة التي شهدتها الدول يتبين أن هذه الانهيارات سبقها مغادرة أصحاب الثروات لهذه الدول.


تغيير المجتمع بالإكراه


ضربت الصحيفة مثلا على هجرة الثروات بشركات «يلدز هولدنج»، التي انتقلت إلى لندن، كما أفاد محمد جون، مالك مؤسسة حقوقية ومركزها إسطنبول، بأن مليارات الدولارات غادرت تركيا بعد المحاولة الانقلابية في 2016، مشيرا إلى شعور المواطنين في تركيا بأنهم مهددون. وأرجع مدير شركة KONDA للأبحاث، بكر أغردير، سبب هجرة الثروات والإمكانات إلى أنها جاءت نتيجة لمساعي إردوغان إلى تغيير المجتمع بالإكراه.


البعثات الدبلوماسية أجهزة استخبارات 


تطرقت تقارير إلى وضع الأتراك في الخارج والذي لا يقل خطورة عن الداخل، إذ إن الرئيس التركي سلَّم الأمن الداخلي العام للبلاد إلى أيادي أجهزة الاستخبارات منذ سنوات، وقد ظهر ذلك أيضًا في التعامل مع الأتراك في الخارج. وأصبحت البعثات الدبلوماسية التركية في الخارج تعمل وكأنها وحدات استخباراتية، وهو ما تحدث عنه أنصار حزب العدالة والتنمية بأنفسهم. وأكد مراقبون أن عمليات التعيين في السلك الدبلوماسي التركي أصبحت مرتبطة بمدى ارتباط الشخص بقصر رئاسة الجمهورية.

كما بدأت البعثات الدبلوماسية التركية في الخارج تقصر خدماتها الخاصة بالمواطنة من إصدار وتجديد جواز السفر، وسجل القيم، على المواطنين الذين تراهم موالين للنظام فقط، وتستبعد المعارضين المحتملين والمنتقدين للدولة، الأمر الذي اعتبره الخبراء والمحللون السياسيون انتهاكا للدستور والقوانين التركية، بالإضافة إلى الاتفاقيات والمعاهدات الدولية، فيما بدأت الانتقادات تتوالى في هذا الأمر من الجاليات التركية في دول عديدة، التي لاتعاني فقط من الإهمال، وإنما من الاضطهاد والمعاملة السيئة والاعتداءات.


الضرب بالعصي


قالت هيئة الإذاعة البريطانية «بي بي سي» في تقرير لها إن «أردال كبابا المقيم في مدينة لاهاي في هولندا تعرض لرذاذ الفلفل في وجهه، من قبل موظفين في القنصلية العامة التركية في روتردام، وأنه تعرض للاعتداء بالضرب بشكل كبير، وتقدم ببلاغ حول الحادث».

وأوضح الصحفي التركي أن أحد مسؤولي الأمن رش رذاذ الفل على وجهه، فيما اصطحبه 4 أشخاص إلى الداخل، وأسقطوه أرضا ليضربوه بعد ذلك بالعصي والأرجل، فيما كان هناك الكثير من الأشخاص ينتظرون الإجراءات في القنصلية، حاولوا الطرق على الزجاج والأبواب من أجل منع الموظفين من تلك الاعتداءات.

وأضاف أن قوات الأمن والفريق الطبي أكدوا له أنه كاد أن يكون كفيفا، بسبب الكمية الكبيرة التي تعرض لها من رذاذ الفلفل، لولا التدخل السريع من الشرطة والإسعاف، فضلا عن تعرضه لكدمات ومشكلات في عضلات كتفيه اليمنى واليسرى.


أماكن غير آمنة


كان المعلم التركي يافوز كوجا قد تعرض في وقت سابق للضرب والتهديد بالذبح في القنصلية التركية في إيسن بألمانيا التي ذهب إليها من أجل تمديد جواز سفره.

كما تعرض مراسل صحيفة «Zeit» الألمانية في هامبورج سباستيان جيمبينس للضرب أمام القنصلية التركية في هامبورج. وأكد شهود عيان أن الاعتداء بالضرب كان من قبل موظفين في القنصلية أو أشخاص موجهين من قبلهم. وبعد أن أوضحت السلطات في تركيا أنها تعد مذكرة حول الواقعة، إلا أنها أغلقت الملف بشكل مثير.

وشدد المحللون السياسيون على أن القنصليات والسفارات التركية لم تعد مكانا آمنا للمواطنين الأتراك في الخارج، مشيرين إلى أن المواطنين الأتراك لم يعد لديهم أمان على أرواحهم في القنصليات التركية.


أسباب مخاوف الأتراك



اعتقال الآلاف بحجة محاولة الانقلاب.



تلفيق التهم تحت مزاعم الإرهاب.



فصل الآلاف من وظائفهم بمؤسسات الدولة.



محاباة الأقارب وحرمان المواطنين من حقوقهم.



استشراء الفساد بين كبار المسؤولين في الدولة.



تمكين أجهزة الاستخبارات من البعثات الدبلوماسية في الخارج.



التشكيك في ولاءات الأتراك واستبعاد المعارضين المحتملين.