العقلانية والحكمة قاعدتان ثابتان للمفكرين الإستراتيجيين الذين ينظرون إلى السياسات العامة لدولهم، سواء على مستوى السلطة أو الإنماء الحضاري لشعوبهم، لكونهم يعتمدون المنطلقات النظرية العادلة في العلاقات الدولية.

هذا ما لمسناه عبر الحقب التاريخية من ثوابت جَسّدَها لنا القانون الدولي الذي يحكم تصرفات كل الدول المنضمة تحت لوائه أو الخارجة عن أحكامه.

ويقف النظام الإيراني وفق تصوراته الفكرية الوهمية، بعيدا جدا عن المشتركات المعقولة في النظام العالمي المتحضر، وعليه أن يتذكر أن الإعلان العالمي لحقوق الإنسان الصادر في فيينا عام 1948، منح بني البشر حرية الضمير والمعتقد والخيار في الفكر النوعي لإدارة شؤونه العامة، السياسية والدينية والاجتماعية، بلا اضطهاد. إن هذه المثل العظيمة للإنسانية في واد والنظام الإيراني يعيش داخل الأنفاق ويتخبط في واد آخر، إنه نظام حالم بلا يقظة، يستهلك الشعارات المذهبية كوسيلة حمقاء لتحقيق الوهم، ظنّا منه خداع العبد المؤمن الرصين بإيمانه ودينه ومذهبه.

وأريد التذكير -ومن أجل التذكير فقط- عليه أن يطلع على العهد الدولي للحقوق المدنية والسياسية الصادر عام 1966، كي لا يضطهد المعارضين السياسيين ولا يحارب الضمير الإيراني في الاختيار، ولا يقدم على الأعمال الإجرامية بإعدام الأطفال والأحداث. لقد دانت الجمعية العامة للأمم المتحدة النظام الإيراني للمرة الـ65، نتيجة انتهاكه حقوق الإنسان الإيراني. إنه رقم صعب لم يسبق له نظير في التاريخ المعاصر، ولي رأي قانوني موجه إلى خبراء القانون في الأمم المتحدة، إذا كان نظام همجي يسجّل أعلى رقم في انتهاك الميثاق الأممي، لماذا السكوت عن الإجراءات الرادعة حسب بنود الميثاق، وما قيمة الإدانات المتكررة هذه؟.

إذًا، المنظر الديني الطائفي الإيراني قد سقط في مستنقع الواهمين، حينما نظر إلى الفكر المذهبي كقاعدة للانطلاق نحو الهيمنة على الدول المجاورة وسرقة ثرواتها تحت هذا الشعار الأحمق، دون أن يدري بالقوة الهائلة للتعارض والرفض المطلق من المنطق العقلاني للشعوب المستهدفة. ولهذا، نراه ينكبّ على صناعة الأسلحة الذرية، لأنه بموجب تلك الرؤى يقف على أرضية هشّة، عسى أن يرهب المجتمع الدولي الذي يصطفّ مع حكمة الدول المجاورة والإقليمية، وحتى البعيدة، ضمن محيط الأرض التي اعتمدت السلم والمبادئ والقيم الواردة على متن المواثيق والمعاهدات الدولية.

ولن تنفع أساليبه باستعراض القوة بين الحين والآخر، خلال المناورات الكرتونية لقواته العسكرية.

استعراض العضلات يعد أحد أهم آفاق الخيال الإستراتيجي، لأنه يبنى عادة على الوهم الفكري والعقائدي غير الموزون، والتدخل في الشؤون الداخلية للعراق ولبنان وسورية واليمن والبحرين على أسس مذهبية، يأتي ضمن هذا التخبط الأعمى. نظام بهذه الهمجية يقبع اليوم تحت طوق الحصار الأقوى والأقسى على مدى التاريخ، والذي فرضته أميركا -الحليف الرئيس للدول الشرق أوسطية التي احتلها هذا النظام المتخلف.

الشعب الذي ثار على الظلم والحرمان، بعد أن بدد النظام ثرواته القومية على نزواته الخارجية، لن يهدأ أو يستكين، ما لم يحقق أهدافه في إسقاط النظام ومحاكمة أزلامه، على جرائمهم وفسادهم وطغيانهم.

الأشهر القادمة ستشهد أحداثا جوهرية للتغيير داخلي البيت الإيراني، والنظام آيل للسقوط إلى مزبلة التاريخ، خصوصا أن اقتصاده دخل غرفة الإنعاش والموت السريري، ولم يعد قادرا على علاجه تحت خيمة الحصار والفساد المستشري بين أزلامه المجرمين.

فالأحداث تتسارع خاصة بعد نشاطات معاقل الانتفاضة داخل إيران.