في هذه المرحلة الزمنية الراهنة التي أخذ فيها سقف العلم وتكنولوجيا المعلومات والسرعة الرهيبة في مجال الاتصالات بالارتفاع إلى آفاق لانهائية، أصبحنا في أشد وأمس الحاجة للفرار إلى جذورنا وثوابتنا للاحتماء برقي توجيهاتها، ونقاء ما تدعو إليه من نبل وفضيلة، في حاجة للرجوع إلى توجيهات علمائنا وقدوتنا من المفكرين والحكماء، ليس فرارا أو هروبا من هذه الزخارف الدنيوية، وما يتبعها في شقها العلماني الضال من توجهات. قد يصعب على شبابنا استيعاب الجانب الإيجابي فيعتبرونه متنفسا ومهربا لهم دون استبيان الحقيقة، وعدم وضوح الرؤية، منغمسين في حضيض مغرياته، دون تبصر لانعدام التوجيه بما يخفيه من اعوجاج يدعو إليه، ليقتاد هذا الشباب في نهاية الأمر إلى ما لا نرجوه. العاقبة التي لا يدفع ثمنها غير الأهل من الآباء والأمهات لنفاجأ بالعواقب الوخيمة، التي تتجلي في السلوكيات المبتذلة، وعدم الانضباط والأخلاقيات والتعاملات اليومية المتدنية في كافة المجالات، والانشغال الدائم والمستفز بهذه الوسائل المتاحة في أيدي الجميع، شبابا وكبارا، انشغالا تاما، وغير منطقي، علاوة على إهدار الوقت في كثير من الأشياء غير المنطقية، وتستطيع أن تتبين ذلك من مدى التفكك الذي اعترى الأسرة في العلاقات القائمة بين الإخوة بعضهم بعضا، وبين الآباء والأمهات، أصبح الصمت بل والصمم والانعزال والوحدة والانفراد في كافة نواحي الحياة، هو الدستور الذي يسيطر على نظام الأسرة، كل مع نفسه، وحدة وتوحدا، عزلة وانعزالا واعتزالا حد الإغماء والتوهان. أما أكبر مصائبنا في هؤلاء الانعزاليين عند قيادتهم لسياراتهم وكل اهتماماتهم وتركيزهم في الحروف والأرقام وتبادل المهاترات غير عابئين بأنفسهم ولا بأرواح الآخرين. وفجأة تطالعنا الصحف اليومية بالأخبار الحزينة، مع دموع الأهل وآلام تعتصر قلوب الآباء والأمهات، لنقوم بتقديم واجب العزاء. أعزائي هل أنا محق في العودة السريعة بالتبصير وتنوير الشباب، بل الصغير والكبير، لتجنب هذا الابتلاء بقدر الإمكان، والتعامل معه بعقل واع وإدراك وتقدير لكافة ما ينتج عن السهو أو عدم اليقظة، والانتباه الكافي في لحظات استخدامه خاصة عند قيادة السيارة. راجيا الإكثار من برامج التوعية والتثقيف في محطات الإذاعة والتلفزة، وما أكثرها.

أدرك جيدا أن هذه الوسائل أصبحت من أهم الأشياء في حياتنا اليومية الحديثة، وأصبحت من لزوم ما يلزم، ولكن ليس للحد الذي تفقدنا فيه الحياة، فقط علينا أن تكون طريقة استخدامنا لها راقية متحضرة واعية، حتى نجنب أهلنا ومجتمعاتنا ما لا تحمد عقباه.