في 31 مارس ستجرى انتخابات محلية في تركيا، لاختيار رؤساء البلديات وأعضاء مجالس المدن والمحافظات. وقد تؤثر هذه الانتخابات على العلاقات الأميركية-التركية، وعلى خطوات أنقرة في الشرق الأوسط، مما يستدعي اهتماماً من واشنطن أكثر مما يتوقعه المرء.

اعتمد الرئيس رجب طيب إردوغان وحزبه الحاكم في حملتهما الانتخابية على برنامج ذي توجه أمني، مما يشير إلى أن «وجود» تركيا بحد ذاته يتوقف على النتيجة. وفي السياسة التركية، تعتبر كلمة («وجود» بقاء باللغة التركية) رمزاً لمحاربة النزعة الانفصالية الكردية. وليس مفاجئاً إذاً أن يكون إردوغان قد اختار دولت بهتشلي - زعيم «حزب الحركة القومية» وخصماً قوياً في الانخراط مع الفصائل السياسية الكردية - حليفاً له في هذه الانتخابات. ومعاً، أطلق «حزب العدالة والتنمية» و«حزب الحركة القومية» على نفسيهما اسم «تحالف الشعب»، ويخوضان المعركة ككتلة فعلية تقف وراء مرشحين توافقيين في عدد من 81 محافظة و992 دائرة انتخابية في تركيا.

ولبرنامج «الوجود» الذي أطلقه إردوغان تداعيات مباشرة على سياسة الولايات المتحدة في سورية. فخلال حملتها ضد داعش تعاونت واشنطن مع «وحدات حماية الشعب» - الجناح السوري الكردي لـ«حزب العمال الكردستاني» الذي يشكّل العمود الفقري لـ«قوات سورية الديمقراطية». وقد أثارت هذه الشراكة استياء أنقرة، خاصةً في ضوء التقارير التي تفيد بأن نحو 30 ألف عنصر من أفراد ميليشيا «وحدات حماية الشعب» تلقوا عتاداً من المعدات المعيارية لحلف «الناتو» وتدريباً عسكرياً أميركياً. وفي الواقع، يشعر معظم الأتراك بالاستياء من التعاون بين أميركا و«وحدات حماية الشعب»، وينظر إردوغان إلى الانتخابات المحلية باعتبارها اختباراً لمدى تأييد الشعب للمقاربة التي ينتهجها إزاء هذه القضايا.

عام 2018، ساهم الدعم الذي قدمه بهتشلي إلى إردوغان في فوزه في الجولة الأولى من الانتخابات بتأييد 52% من المشاركين، وهذا العام، يبدو هدف الرئيس التركي يتمثل في الاحتفاظ بالتحالف بين «حزب العدالة والتنمية» و«حزب الحركة القومية» بهذه النسبة على الأقل على الصعيد الوطني، لكن استطلاعات الرأي الأخيرة رأت احتمال خسارة معسكر إردوغان العاصمة أنقرة، ثاني أكبر مدينة البالغ عدد سكانها 5 ملايين نسمة. وقد تشكّل عملية الاقتراع في أنقرة السباق الأكثر أهمية الجدير بالمراقبة في 31 مارس، ويعزى ذلك جزئياً إلى أن الناخبين قد يعتبرون خسارة العاصمة نقطة تحول نفسية في مسيرة الرئيس التصاعدية.

وخشية تكرار السباق الذي شهدته أنقرة في عام 2014، كانت أحزاب المعارضة تعرب عن مخاوفها بشأن احتمال تزوير الانتخابات، لا سيما في مرحلة فرز الأصوات والإعلان عنها. ومع ذلك، أظهر عدد قليل من مرشحي «حزب الشعب الجمهوري» أو «الحزب الجيد» حتى الآن مؤشرات كبيرة على انتزاع أعداد كبيرة من الأصوات من تحالف «حزب العدالة والتنمية» و«حزب الحركة القومية»، على الأقل من حيث برامجهما الانتخابية وأدائهما.

وحتى لو نجح إردوغان وبهتشلي في الاحتفاظ بالمدن الرئيسية، إلّا أنّ بانتظارهما أيام صعبة. فقد دخل الاقتصاد التركي رسمياً مرحلة ركود هذا الشهر، مما يعني أنه لم يسجل نمواً خلال ربعين متتاليين. وهذا تطور مؤلم بشكل خاص بالنظر إلى النمو الاقتصادي المفاجئ الذي حطم أرقاماً قياسية، وأشرف عليه إردوغان منذ أن أصبح رئيساً للوزراء عام 2003، علاوةً على ذلك، بلغ معدل التضخم 25% خلال أكتوبر الماضي، مسجلاً أعلى مستوى له منذ 15 عاماً. ولوقف هذا الاتجاه السائد، لجأ إردوغان إلى أساليب غير تقليدية، شملت كبح الأسعار. غير أن التوتر الثنائي المستمر بشأن قرار تركيا شراء أنظمة الدفاع الجوي الصاروخية الروسية من طراز «أس-400» قد أثار مخاوف من احتمال فرض واشنطن عقوبات اقتصادية وعسكرية على أنقرة. ومن شأن مثل هذا التطور أن يفاقم الأزمة الاقتصادية.

وقد يعني استمرار تحالف إردوغان- بهتشلي اتباع مزيد من السياسات المتشددة في أنقرة، تشمل اتخاذ موقف أكثر صرامة ضد الشراكة بين أميركا و«وحدات حماية الشعب» في سورية، وفرض إجراءات أمنية محلية أكثر تشدداً، ومن شأن تحقيق «حزب العدالة والتنمية» و«حزب الحركة القومية» انتصارات واسعة النطاق أن يعزز أيضاً مقاربة «إقامة علاقات مع دول أوراسيا»، أي السعي إلى توطيد العلاقات مع روسيا والصين وإيران من دون الخروج فعلياً من حلف «الناتو».

وفي المقابل، إذا ما سجَّل تحالف «حزب العدالة والتنمية» و«حزب الحركة القومية» أداءً ضعيفاً في الانتخابات المحلية، فقد يتخلى إردوغان عن بهتشلي بالكامل. وخلال السنوات القليلة الماضية، كان لـ«حزب الحركة القومية» دور مهم في الشؤون الحكومية، كما لو أنه كان شريكاً رسمياً في التحالف، ولكن دون المشاركة في تحمل أي مسؤولية عن المشاكل التي واجهتها الحكومة، كما يفعل مثل هؤلاء الشركاء عادةً. وإذا قام إردوغان بتفكيك الشراكة مع «حزب الحركة القومية» وقاعدته القومية القوية المناهضة للأكراد، فقد يجرب تحالفات سياسية مختلفة في السنوات المقبلة.

وفي هذا الصدد، سيكون الوقت بجانبه بعد 31 مارس. لقد شهدت تركيا 7 اقتراعات وطنية، ومحاولة انقلاب كارثية (2016) منذ عام 2014، ولكن ليس من المقرر إجراء الانتخابات الرئيسية التالية قبل عام 2023. لكن بغض النظر عن حسن أداء «حزب العدالة والتنمية»، ستؤدي الانتخابات الحالية إلى حدوث تغييرات في سياسة تركيا الداخلية والخارجية.

 


مراد يتكين سونر جاغابتاي

* يتكين صحفي ومحلل سياسي، ومؤلف 6 كتب عن السياسة الخارجية وقضايا الأمن التركية.

* جاغابتاي مؤلف كتاب: السلطان الجديد: إردوغان وأزمة تركيا الحديثة.

* معهد واشنطن