في 2 أبريل، قدّم الرئيس الجزائري عبدالعزيز بوتفليقة استقالته إلى المجلس الدستوري، في خطوة أعقبت ستة أسابيع من التظاهرات الحاشدة التي نظمها المواطنون احتجاجاً على ولايته الخامسة المحتملة وقضايا أخرى. وحاول أنصار الرئيس المستقيل إرضاء المتظاهرين عبر مجموعة من التنازلات الجزئية، ومنها تأجيل الانتخابات حتى نهاية العام؛ والوعد بعدم سعي بوتفليقة إلى ولاية أخرى؛ واقتراح عملية تعديل دستوري وخطة انتقالية يقودها الدبلوماسي الذي يلقى احتراماً دولياً الأخضر الإبراهيمي؛ وإعادة توزيع المقاعد الحكومية مرتيْن. إلا أنّ حركة الاحتجاجات الناشئة لم توافق على أيّ من هذه الاقتراحات، لا سيما ذلك المتعلق بتمديد الولاية الرابعة لرئيسٍ عاجز لم يظهر إلى العلن منذ إصابته بجلطة دماغية عام 2013.

وزاد رئيس أركان الجيش الفريق أحمد قايد صالح القاضي الضغوط في 26 مارس عندما دعا إلى تطبيق المادة 102 من الدستور، والتي يتم بموجبها الإعلان رسمياً أن الرئيس عاجز عن تأدية مهامه. إلا أن المحتجين رحبوا بحذر بتلك المقاربة، وبدؤوا يطالبون بتغيير «النظام»، في تعبير عن إحباطهم من استمرار الحكم من قبل نخبة غير شفافة.

وفي الوقت الحالي، سيضطلع رئيس مجلس الأمّة الجزائري عبدالقادر بن صالح بدور الرئيس المؤقّت وفقاً للدستور، أما بعد ذلك، فما سيحدث هو مسألة تكهنات.  قد يكون من المغري جداً مقارنة المأزق الجزائري بالتطورات الإقليمية الأخرى - مثل حركة الاحتجاجات الجماهيرية في مصر، أو القمع الوحشي لنظام الأسد في سورية، أو الرأسمالية المحببة الملحوظة في تونس، ولا بد من التعاطي مع الوضع الراهن على أساس حيثياته الخاصة. فقد لاحظ كثيرون أن الجزائر سبق أن اختبرت «ربيعاً عربياً» في أوائل التسعينات من القرن المنصرم عندما جرّبت الانتخابات المفتوحة لتعود وتلغيها بعد فوز الإسلاميين، مما أدى إلى اندلاع حرب أهلية و«العقد الأسود». ومع أن ذلك يشكّل بالتأكيد مرجعاً تاريخياً صالحاً، قد لا يكون الافتراض بأنه سيُثني المتظاهرين أو القوات العسكرية أو الحكومة عن التصعيد إلى مواجهاتٍ عنيفة خلال الأزمة الحالية، أكثرَ من مجرّد أمنيات. وببساطة، من غير الواضح بما فيه الكفاية كيفية عمل دائرة صنع القرار والطبقة الحاكمة الأوسع، مما لا يترك للمراقبين أكثر من مجرد تكهنات عامة حول كيفية استجابة السلطات للأزمة الحالية. هل يشير الحل الدستوري الذي اقترحه أحمد قايد صالح بالإطاحة ببوتفليقة إلى انشقاقٍ داخل الدائرة الحاكمة، أم إلى جهدٍ حثيث من جانب بعض العناصر، من أجل تجاوز مسألة الرئيس المريض مع الحفاظ على سلطتهم الكلّيّة؟ لقد وصف بعض المراقبين خطوات صالح على أنها انقلاب. ووفقاً لبعض التقارير، طالب على انفراد باستقالة بوتفليقة تماماً قبل أن يقدمها الرئيس. والأسئلة التي تطرح نفسها هنا هي: إلى أي حد يقف الجيش بالفعل وراء هذه المرحلة الانتقالية، وما هي التنازلات الإضافية التي هو مستعد لتقديمها إذا استمر المحتجون في المطالبة بإجراء انتخابات حرة وتغيير النظام؟ فحتى الآن، كانت القوات الحكومية تُبدي انضباطاً بشأن تجنب العنف والسماح للمحتجين بالتظاهر بحرية. وسيحدد استمرار تلك الدينامية مدى استقرار المرحلة القادمة، لا سيّما إذا حدث أنْ تجاوزَ المتظاهرون أي خطوط حمراء ربما رسمها الجيش داخلياً. ربما كان مشهد العيش لأكثر من عشرين عاماً تحت حُكم بوتفليقة الدافع المباشر للاحتجاجات، لكنّ الأسباب الكامنة وراء ذلك هي الركود الاقتصادي المستمر، وبطالة الشباب، وضعف البنية التحتية العامة بالنسبة إلى مجتمعٍ شابٍّ متضخم (44 % من سكان الجزائر البالغ عددهم 42 مليون نسمة لم يبلغوا الـ24 من العمر). وكانت الحكومة تستهلك احتياطياتها الأجنبية بمعدّلٍ سريع، بعد أن تراكمت عندما تخطى سعر النفط حاجز 100 دولار للبرميل الواحد في منتصف العقد الأول من القرن الحالي. وتشمل الميزانية الأخيرة الإنفاق الاجتماعي والإعانات. وفي غضون ذلك، تعرضت جهود تحرير الاقتصاد وتنويعه لعراقيل من جانب نُخَب السياسة والأعمال الذين يستفيدون من النظام الحالي (ومُنع بعضهم من مغادرة البلاد في الأيام الأخيرة، مما يشير على الأرجح إلى خططٍ لاستخدام بعض أسوأ الجناة ككبش فداء، أو للإطاحة بالموالين لبوتفليقة). وعلاوة على ذلك، تَحدّ السياسات الاقتصادية الداعمة للدولة من الاستثمارات الأجنبية الضرورية جداً، لا سيّما في قطاع الطاقة، حيث يتعين على الشركات المشاركة امتلاك الجزائريين ما لا يقل عن 51 % من الحصص. ومن دون مزيد من التنقيب والتكنولوجيا الجديدة، لا يُتوقَّع استدامة احتياطات البلاد من النفط وقدرتها على الإنتاج لأكثر من 20 عاماً إضافيّاً. ولم يتراجع الإنتاج خلال الأزمة الراهنة، لكنّ الاضطرابات دفعت شركة «إكسون موبيل» إلى تعليق المحادثات مع الحكومة حول تطوير الغاز الصخري. إنّ الجزائر بحاجة إلى حكومة مستقرة لمعالجة هذه القضايا المعقَّدة. ولا شك في أن أي إدارة تأتي بعد بوتفليقة ستميل إلى زيادة الإنفاق الاجتماعي وتَجاهُل الاستثمارات والإصلاحات طويلة الأجل، لكن ذلك النهج لن يؤدّي إلا إلى تفاقم الحالة الاقتصادية للبلاد. وفي أفضل الحالات، ستقود حكومة انتقالية الجزائر نحو عملية إصلاح دستوري وإجراء انتخابات نزيهة، مما يولّد حكومةً منتَخَبَةً باستطاعتها البدء في اعتماد الإصلاحات الاقتصادية الضرورية مع الحفاظ على ولاء الجيش. ومع ذلك، فإن فرص إجراء هذه العملية بسلاسة تبدو ضئيلة.


بين فيشمان



 * المدير السابق لشؤون شمال إفريقيا في «مجلس الأمن القومي» الأميركي.

* معهد واشنطن