قبل عدد من الأسابيع دعا المرور منسوبيه إلى تحري الدقة والتريث قبل تحرير المخالفات، حيث لاحَظت الإدارة أن بعض منسوبيها توسعوا في هذا الأمر بلا مبرر.

هذا الاستعطاف الذي ترسله إدارة المرور إلى أفرادها مر مرور العابرين لدى كثير من الناس، وأنا بطبيعة الحال من ضمنهم، إلا أنه في حال نشر أي خبر عن إدارة المرور، فإن طلب الرحمة هذا (بالمستفيدين) يقفز مباشرة إلى ذهني.

على موقع الإدارة العامة للمرور وُضعَ عدد من المهام وقد جاء منها (المشاركة في إعداد برامج التوعية والسلامة المرورية بشكل عام وأسابيع المرور بشكل خاص، والتنسيق المباشر والمستمر مع وزارة الإعلام بمختلف قنواتها لبث برامج التوعية المرورية، خاصة في الفترة الصيفية، ومع بدء العام الدراسي/‏ محاولة الحد من الحوادث المرورية قبل وقوعها، والتحقيق فيها بعد وقوعها)، هذا فما يختص بما قبل العقوبات. أما ما يخص العقوبات فقد تحدثت نفس القائمة عن بند واحد فقط وهو (تحصيل المخالفات المرورية، والفصل فيها في إدارات المرور كافة).

حاولت أن أجد أي تفسير للتوسع الواضح الذي تعمل عليه الإدارة العامة للمرور، في تحديث أجهزتها التقنية، وتأهيل كوادرها وأنظمتها التشغيلية، وإعادة ترتيب لوائحها التنظيمية، فيما يتعلق بضبط المخالفين وإيقاع العقوبات عليهم. وقد جرني البحث للاطلاع على لائحتها التنظيمية، ومهام أعمالها الموجودة في موقعها الإلكتروني، وتوسعت بشكل أكبر فقرأت كل ما يتعلق بمبادرات المرور في برنامج التحول الوطني 2020.

في البُعد الثاني في برنامج التحول الوطني، جاء تفسير الهدف الإستراتيجي رقم (2.3.4 تعزيز السلامة المرورية)، بالتالي: تفعيل وتحديث الوسائل والآليات اللازمة لتعزيز السلامة المرورية وتخفيف الأضرار الناتجة عن عدم الالتزام بالقواعد المرورية، كالوفيات، والإصابات، والمخالفات، والحوادث العامة.

وفي تفاصيل هذا الهدف الإستراتيجي 18 مبادرة متميزة ورائعة، تسهم جميعها في تحديث الثقافة والنظام المروري في المملكة. تحدثت المبادرة الأولى عن التوسع في استخدام الموارد والتقنيات الحديثة في عمليات الضبط والرقابة المرورية في الرصد الآلي للمخالفات، وبعدها جاءت باقي المبادرات لتحيط بجوانب أخرى تصب جميعها في الأعمال التنظيمية والتشريعية والمجتمعية للبيئة والثقافة المرورية ككل. مثلا هناك مبادرة لإنشاء أمانة عامة تابعة للجنة الوزارية لسلامة الطرق. ومبادرة أخرى تختص بتوفير مقاعد الأطفال بالتعاون مع القطاع غير الربحي. ومبادرة لتقييم ومعالجة المواقع الخطرة وتجهيز الطرق الحضرية القائمة بعناصر السلامة المرورية. ومبادرة لبناء نظام معلوماتي متكامل لرصد مسببات الحوادث وتنبيه مستخدمي الطرق عن أحوال الحركة المرورية وظروفها المحيطة بها، مما يساعد المواطنين على اتخاذ القرارات المبكرة في سلوك الطرق المختلفة. كما أن هناك مبادرة تهدف إلى قياس مدى الوعي المروري لدى الطلاب والطالبات، يتم بناء عليها تحديد الاحتياجات المناسبة لتثقيفهم بتطبيقات السلامة المرورية. أيضا هناك مبادرة تختص بتطوير الأنظمة واللوائح المرورية فيما يخص الجانب الوقائي، حيث تحدث وصف المبادرة عن مراجعة قائمة المخالفات التي تؤثر على السلامة العامة وتحديد أهم تلك المخالفات لتعديلها وتطويرها مع تبني برامج تواصل إعلامية أكثر فاعلية.

لن أتحدث عن كل تفاصيل المبادرات، فمن يرغب في قراءتها يمكنه الرجوع إلى وثيقة برنامج التحول الوطني، خصوصا الصفحات 45،44،43، ولكني بشكل خاص، أطلب من الإدارة العامة للمرور، الرجوع لهذه الصفحات لعقد ورش عمل داخلية في قراءتها مرة أخرى واستيعابها والعمل على تنفيذها، وأقترح أيضا أن تتم طباعتها على لوحات فخمة ويتم تعليقها في قاعات الاجتماعات الخاصة بهم في كل مناطق المملكة، أسوة بالأعمال الاحترافية التي تقوم بها مجالس إدارات القطاع الربحي.

في وجهة نظري، لا يمكن بأي حال من الأحوال اختزال تطوير برنامج التحول الوطني الذي هو جزء من رؤية 2030، فيما يختص بالجانب المروري في المبادرة الأولى فقط، مع إهمال لباقي المبادرات الأخرى. قد يكون بالفعل تم العمل على بعض تلك المبادرات، ولكن، باعتقادي كقارئ للصحف اليومية، ومتابع شبه جيد لما يتم نشره في وسائل التواصل الاجتماعي، أن ما تم عمله على تلك المبادرات مجرد رتوش وأعمال بسيطة لا ترتقي لطموحات الأعمال المؤسسية. ولذلك فإن الصورة الواضحة أمامي عن إدارة المرور هي تلك الصورة الذهنية المرتبطة بالعقوبات والغرامات وصوت الشرطي الذي يصرخ بأعلى صوته على الناس في الزحام عبر مكبر الصوت. (بالمناسبة تم استبدال ثقافة أصوات مكبرات سيارات المرور برجل المرور الصامت الذي يحمل جهاز تصوير المخالفات بدون الاستماع لأي شرح من المواطن).

عزيزي القارئ، في المهام نفسها التي تحدثت عنها أعلاه يوجد بند يُلزم الإدارة العامة للمرور بإصدار نشرة إحصاء مرورية سنوية خاصة بالحوادث والمخالفات ورخص القيادة ورخص السير. أرجو ممن يجد أي نشرة لأي عام بعد عام 1430 أن يرسلها لحسابي على تويتر الموجود تحت اسمي أعلاه.