نشرت الصحف في الأسبوع الماضي تقريرا عن لقاء الدكتور عبد الله بن محمد آل الشيخ، رئيس مجلس الشورى، بأعضاء مجالس المناطق الذين زاروا المجلس. وورد في تصريحات الدكتور آل الشيخ في اللقاء قوله: "ما يميز مجلس الشورى لدينا عن بعض البرلمانات أن العضو لا يمثل منطقة، هو يمثل المواطن في كل مكان فهذه من أبرز الميزات، وبالتالي عندما يتحدث لا يتحدث لأنه يعود إلى منطقته"، مبيناً أنه "لا يمنع إذا كان العضو من منطقة معينة وكان لديه اطلاع على جانب يحتاج المناقشة يتم مناقشته ولكن في النهاية لا يكون الحديث كل يتحدث عن منطقته" (الحياة، 25/1/2011م).

ويدل هذا التصريح على أننا لم نتجاوز بعدُ عادتنا المزمنة في الثناء على النفس وادعاء التميز على الآخرين. وهاتان العادتان غير سائغتين حتى إن كان ما نثني به على أنفسنا أو ندعيه صحيحا. والفائدة الوحيدة لهذا الادعاء، إن كان له فائدة أصلا، أنه يكشف عن أعيننا الغبش لنرى أن رضانا عن أنفسنا ليس في محله، وربما كان الأولى أن نهتم بمعالجة أوجه تقصيرنا بدلا من ذلك.

لكن: هل صحيح أن "مجلس الشورى" لدينا يتميز على "بعض البرلمانات" بالميزة التي ذكرها الدكتور آل الشيخ (وهو اعتراف بأنه لا يتميز عليها كلها، وهذا أمر جيد!)؟ بل السؤال: هل الميزة المدعاة ميزة، أصلا؟

وبدلا من التوقف عند هذين السؤالين المهمين نتوقف عند سؤال ثالث أكثر أهمية هو: هل "يمثل" عضو مجلس الشورى السعودي أحدا، فعلا؟ ويتطلب هذا السؤال توضيح مصطلح "التمثيل" الذي يعني، في المصطلحات السياسية، أن العضو يأتي إلى "البرلمان" نتيجة لترشيح فعاليات مجتمعية معينة، في منطقة معينة، لأنها ترى فيه كفاءة على الجهر بآرائها والدفاع عن مصالحها التي "تزعم" أنها "تمثل" توجّهات الرأي في المجموعة التي "تزعم" أنها "تمثلها". ثم تشارك تلك المجموعة في التصويت لهذا المرشح ليفوز من بين متنافسين "يزعم" كل واحد منهم أنه أكفأ من غيره من المرشحين على الجهر بآراء المجموعة التي ينتمي إليها. وينتظر منه أن يفي لمجموعته التي انتخبته بما تعهَّد لها به من "تمثيلها". فمسؤوليته الأولى تحديدا هي "تمثيل" المجموعة التي اختارته "ممثلا" عنها ثم تأتي بعدها مسؤوليته تجاه "المواطن في كل مكان".

فهل ينطبق هذا على عضو مجلس الشورى السعودي؟ والواضح أنه لا ينطبق لأن هذا العضو لا يأتي إلى المجلس بهذه الطريقة. وهذا ما يجعله لا "يمثل"، بصورة دقيقة، أية مجموعة أو أية منطقة.

فمصطلح "التمثيل"، في حال عضو مجلس الشورى السعودي، مجازي لأنه "يُختار" بآلية مختلفة لمؤهلات معينة أهمها "انتماؤه"، بالمولد، إلى منطقة ما وتميُّزه بمؤهلات ما.

ولا يعني هذا "الانتماء" إلى منطقة ما، بالمولد، "تمثيل" تلك المنطقة حتى بالمعنى المجازي. ذلك أن كثيرا من الأعضاء الذين يوصفون بأنهم "يمثلون" مناطقهم، لم يأتوا مباشرة من تلك المناطق، فهم يسكنون الرياض، أو غيرها من المدن الكبرى، التي استوطنوها لسنين طويلة بصفتهم إما أساتذة في الجامعات فيها، أو موظفين كبارا في المصالح الحكومية الأخرى، أو ما أشبه ذلك. وأكثر من ذلك أن كثيرا من أعضاء المجلس لا يزورون المناطق التي يقال إنهم "يمثلونها" ـ إن زاروها ـ إلا مرات محدودة في السنة. بل ربما لا يعرف كثير منهم في المنطقة التي "ينتمي" إليها إلا أقاربه الأقربين ـ أو أقاربه الأبعدين ـ على أبعد تقدير. ومن المؤكد أن هذا "الانتماء" الاسمي يجعل من الصعب على العضو أن يعرف معرفة دقيقة شيئا كثيرا عن متطلبات المواطنين في تلك المنطقة.

بل يمكن القول إن عضو مجلس الشورى لا "يمثل" حتى نفسه. ذلك أنه لا يستطيع الجهر بآرائه الشخصية عن أية قضية إلا تحت شروط معينة لا يد له في إقرارها.

فما دام أن عضو مجلس الشورى لا "يمثل"، بالمعنى الدقيق للمصطلح، المجموعةَ التي "ينتمي" إليها، بالمولد، ولا "يمثل" نفسه، فكيف "يمثل" المواطنين في مناطق أو مجموعات لم يأت منها؟

وأعضاء المجلس الأفاضل، منذ إنشائه، كفاءات علمية وفكرية عالية، وهم أهل للاختيار بغض النظر عن مصطلح "التمثيل"، ويؤدون عملهم المنتظر منهم بأقصى ما يتميزون به من معرفة وكفاءة. لكن هذا شيء، وأن نزعم أنهم "يمثلون" أحدا، بالمعنى الدقيق للمصطلح، أو أنهم "يتميزون" على غيرهم من أعضاء البرلمانات في العالم، شيء آخر.

ويتصل بالحديث عن مجلس الشورى ملحوظة سبق أن أبديتها في مناسبة ماضية. فقد صار من المألوف أن تُقصر رئاسة المجلس على أشخاص ينتمون إلى المؤسسة الدينية. وأبادر إلى القول بأن الشيخ محمد بن جبير ـ رحمه الله ـ والدكتور صالح بن حميد، الرئيسين السابقين للمجلس، والدكتور عبد الله بن محمد آل الشيخ، الرئيس الحالي، كفاءات وطنية لا يجادل فيها أحد.

لكن هذا شيء، وقصر رئاسة المجلس على من ينتمي إلى المؤسسة الدينية شيء آخر. والمشكل في هذا أن قصر رئاسة المجلس على هذه الفئة من المواطنين ربما يوحي برسائل غير مرغوبة. والرسالة الأولى أنه ليس في الوطن كله من الكفاءات من يستطيع إدارة هذه المؤسسة إلا المنتمون إلى المؤسسة الدينية. وينقض هذا أن هناك مصالح حكومية مهمة يديرها بنجاح وكفاءة مواطنون لا ينتمون إلى هذه المؤسسة.

والرسالة الثانية أن للمجلس خصوصية توجب قصر رئاسته على المنتمين إلى هذه المؤسسة. والواضح أنه لا توجد مثل هذه الخصوصية لعمل المجلس الذي يناقش قضايا أكثرها غير دينية.

والرسالة الثالثة أن هذا الاختصاص المتكرر يوحي بأن "علماء الدين" ولاةُ أمرٍ مساوون في الدرجة والأهمية للقيادة السعودية، وهذا تأويل لمصطلح "ولي الأمر" مرفوض.

والرسالة الرابعة أن هذا الاختصاص ربما يوحي بأن المملكة "دولة دينية"، بالمعنى الثيوقراطي الذي يعني أنها تدار بواسطة "رجال دين" يملون ما يرونه على المواطنين، وهذا غير صحيح.

ومحصلة القول أننا لا نخدم أنفسنا أبدا بادعاء التميز على الآخرين، بل ربما يكون ذلك سببا في التندر بنا في الخارج واليأس من التغيير في الداخل.

إن ما نحتاجه الآن أكثر من غيره أن نبادر إلى تقويم تجربة مجلس الشورى الذي مضى على تأسيسه في صورته الأخيرة أكثر من عقد ونصف، وتطويره بما يسهم في تحسين أدائه، أو ربما تجاوز هذه التجربة لاختبار أشكال أخرى من المشاركة الشعبية أكثر كفاءة وتوافقا مع التطلعات التي دعت إلى تأسيسه ابتداء، وأكثر تماشيا مع الممارسات "التمثيلية" العالمية.