كلما كتبت عن الدجاجلة والدجل ظننت أنني انتهيت، ولكن طرق الجدل قد تلبس ثوب الأطباء وعباءة القديسين ما هو أكثر من رمال الربع الخالي، وسوف يستمر الدجل السياسي والديني بل وحتى العلمي، حتى يبرز بررة ومناضلون وعلماء فيبطلوا السحر ويقع ما كانوا يبطلون. اجتمعت في مسقط حين كنت ألقي ورقتي حول الأخلاق الطبية في ندوة الأخلاق الطبية بتاريخ 14 فبراير 2011م بأخ فاضل من عمان هرع إلي وقال: باعتبارك طبيبا فعندكم في المملكة رجل خرق التاريخ وسبق إليزاروف وفعل المستحيل.

قلت كيف. قال لم يعد من حاجة لبتر الأعضاء المصابة بالغانغرين. هنا تذكرت قول روبرت غرين عن طقوس الدجل بخمس درجات، وكذلك أسطورة زرع الأعضاء التي تناقلتها الكنيسة على يد قديسين من سوريا من غابر الأزمنة.

قلت حسنا هل يمكن أن ترسل لي البحث حتى نرى درجته من العلمية. أرسل الرجل مشكورا صورا لنوع من الأقدام السكرية نعالجها كل يوم، ولم أر قدما وصلت حافة الغانغرين.

وتضمن البحث الذي أرسله معالجات يقوم بها صيدلي يزعم سرية علاجه ومراهمه. قلت أبشر بطول سلامة يا مربع. فالعلم لم يتقدم إلا بالعلنية، وتبادل الخبرات، وخضوعه لقوانين واضحة، يطبقها أي إنسان، ولكنه الربح والدجل وملء الجيوب.. له نهاية، فإن الكفن ليس له جيوب. قال إنه عالج الغانغرين فطابت. قلت في نفسي: أين أطباء جراحة الأوعية والجراحة العامة وخبراء مرض السكر ودكاترة الباطنية واستشاريو الغدد الصم ليأخذوا علمهم على يد هذا الدعي.

ثم زعم الرجل أن فنه ناجح فيه مائة بالمائة. فعرفت أنه فاشل مائة بالمائة. وتذكرت هنا لا أدري نجاح صدام في انتخاباته الأخيرة مائة بالمائة. قبل الصدمة والدهشة والشنق والمخنقة. وقال إنه ليس عنده ن اختلاطات ومضاعفات البتة. بل كلها نجاحات في نجاحات. وهذا من عموم الدجل في خمس درجات. بل وأضاف أنه يبتر الأعضاء مثل القراصنة بدون بنج وتخدير.

قلت إنها الجريمة وليس سواها، لأن البتر بدون تخدير يقتل المريض بالصدمة. وقال إنه ينصح وزارة الصحة بأخذ علاجه على محمل الصدق، إنقاذا للسيقان من البتر. قلت إنه في طريقه لصفقة مع موظف فاسد فيقتنع ويبدأ بالتعميم، قبل خراب بصرة كما يقولون، أو كما يقول أهل ليبيا خراب مالطا الذين ابتلوا بمن زعم أن عنده الإجابة الشافية والحلول النهائية لكل مشاكل الجنس البشري في كتاب أخضر يسر القارئين حتى أصبح سلفا ومثلا للآخرين.

وبالطبع فلا بد من غطاء ديني لخدعة الناس، كما فعل دجال شهير في جبال عسير، حين زعم أنه يخرج الجن من الأبدان والأرواح فربح الملايين، وأنشأ عيادة ضخمة يؤمها المغفلون والبسطاء و"المقرودون". وهو لا يفقه في الطب أكثر من فلاح بعلوم الفضاء وهندسة بناء ناطحات السحاب والجسور المعلقة.

كان شيخ الجان يهجم على المسكين المصاب بخلل نفسي بصحبة رهط من الأقوياء مفتولي العضلات، فيبطحونه أرضا، ثم يبدأ بالبصاق على وجهه ثم يزعق أيها الجني أقسمت عليك أن تخرج من إبهام رجله اليمنى. وأذكر يوما أنني رأيته وهو معصوب الذراع فسألته عنها. قال هي من رفسة جني. وكانت من اختلاجات معتوه كادوا أن يخنقوه فرفس ولبط فأوجع الشيخ وخلع مرفقه.

كان ذلك الشيخ يقول أيضا إنه لا سيطرة له على جن الجبال لأنهم غير مؤمنين، ولا سيطرة له على الأمراض العضوية، ولكن بعد دخول دورة عنده مغرقة مغدقة بدفع المال السخي، كما حدثتني فاطمة المسكينة عن سبعة آلاف ريال قبل أن نجري لها عملية الزايدة الدودية. كان يأتي في نهاية كل يوم حاملا كيسا لا يحصيه هو بالذات، ويلقيه بين يدي محاسب البنك في جبال عسير فكانت عشرات الآلاف من الريالات كما حدثني أحدهم.

وكان يقول إنه يعالج بكتاب الله وبالطبع ليس بالكتاب الأحمر الذي أصبح في ذمة التاريخ، ولا بالكتاب الأخضر المتهاوي في جبال الأخضر في ليبيا بيد الثوار الغاضبين.

وكان يقول إنه لا يأخذ مالا. ولكن يقلد المصطفى صلى الله عليه وسلم فيقبل الهدية. والفرق معروف بين الهدية والأجرة.. ويمكن أن تتحول بسهولة من طرف لآخر كما في تحول الكهرباء إلى حركة وحرارة وعصر وطي وكي.

وكان يقول إنه يتبرع بمعظم ماله لمجاهدي الأفغان قبل أن تحل عليهم لعنة الأمريكان وغضب الطليان والجرمان ويوضعوا في قائمة الإرهاب الدولي، ولا أعلم أين طوحت الأيام بذلك الشيخ قبل أن يخرج دجال جديد في الطائف.