يختبر "الصبي الذهبي" للمنتخب الألماني توماس مشاعر متفاوتة بين الاغتباط والحسرة بعد أن لعب دورا أساسيا في قيادة "داي مانشافت" إلى الدور نصف النهائي لكأس العالم للمرة الثانية في تاريخه، وبين حسرة غيابه عن الموقعة المرتقبة مع إسبانيا بطلة أوروبا الأربعاء 2010/7/7 المقبل في دوربن.

وكان مولر من اللاعبين الذين لعبوا دورا حاسما في قيادة ألمانيا لإلحاق الهزيمة الأقسى بالمنتخب الأرجنتيني (4/صفر) في النهائيات منذ عام 1958 عندما خسرت أمام تشيكوسلوفاكيا (1/6)، بتسجيله الهدف الأول، رافعا رصيده إلى 4 أهداف، وتمريره الكرة التي جاء منها الهدف الثاني عندما كان واقعا على أرضية الملعب ليضع لوكاس بودولسكي في موقف المواجهة الفردية مع الحارس الأرجنتيني فاخذ وقته قبل أن يمررها إلى ميروسلاف كلوزه الذي وضعها في الشباك الخالية.

لكن نجم بايرن ميونيخ الشاب تلقى إنذارا بسبب لمسه الكرة بيده، ما سيحرمه من خوض مواجهة دور الأربعة أمام اسبانيا لأنه الثاني له في البطولة.

"مذهل, كل شيء حصل بشكل رائع وان ترسل الأرجنتين إلى ديارها بالفوز عليها 4/صفر، حسنا، ماذا بإمكانك التعليق على ذلك؟"، هذا ما قاله ابن العشرين ربيعا بعد إخراج رجال المدرب دييجو مارادونا من النهائيات بهزيمة مذلة، مضيفا "لقد حققنا هذا الأمر بفضل الأداء الجماعي ولا يمكنني أن اختار أي لاعب بشكل فردي (من اجل منحه الفضل), لقد لعبنا جميعا لتحقيق ذلك وكانت الحصيلة رائعة".

رد مولر بأفضل طريقة على مارادونا الذي اهانه خلال المواجهة الودية الأخيرة بين الطرفين عندما اعتقده احد الفتيان المولجين بلتقاط الكرات في الملاعب.

غطرسة وانصاف كان مولر مغمورا خارج ألمانيا عندما استهل مشواره مع المنتخب في مباراة ودية أمام الأرجنتين (صفر/1) في مارس الماضي في ميونيخ، لكنه أصبح الآن من مشاهير الكرة المستديرة على الساحة العالمية بعدما فرض نفسه نجما بكافة المعايير بتسجيله هدفين في مرمى الانجليز (4/1) في الدور الثاني ثم هدف في مرمى فريق مارادونا، ليضيفها إلى الهدف الذي سجله في مرمى استراليا (4/صفر) في مستهل مشوار "مانشافت".

من المؤكد أن مارادونا سيتذكر مولر جيدا لانه اللاعب الذي مهد الطريقة أمام الألمان للخروج فائزين من موقعتهم مع "لا البيسيليستي" بتسجيله الهدف الأول بعد اقل من ثلاثة دقائق فقط، وهو أسرع هدف في النسخة الحالية حتى الآن.

رفض مارادونا أن يجلس إلى جانب مولر خلال المؤتمر الصحافي الذي عقد بعد مباراة مارس الماضي لأنه ليس بالمستوى "التمثيلي" المناسب بالنسبة للمدرب الأرجنتيني، لكن من المؤكد أن الأخير أصبح يملك صورة مختلفة عن اللاعب الألماني الذي أعاد "لا البيسيليستي" ومدربه ونجوم الملايين إلى ارض الواقع، مؤكدا بان المباريات والألقاب لا تحسم في المؤتمرات الصحافية والهالات الإعلامية والإعلانية بل في أرضية الملعب وبالأداء الجماعي الذي يعتبر الميزة الأساسي للماكينة الألمانية.

ومهما حاول مدرب ألمانيا لوف أن يخفف من أهمية مسألة غياب مولر, فان ذلك لن يقلل من حجم الفراغ الذي سيخلفه نجم بايرن الشاب على الجهة اليمنى إذ أن سلاسة الماكينة الألمانية مرتبطة بالتفاهم الرائع بين مولر ومسعود اوجيل ولوكاس بودولسكي في الوسط الهجومي، وهذا ما أثمر حتى الآن عن 13 هدفا للألمان في النسخة الحالية، وهو اكبر معدل تسجيلي بين جميع المنتخبات.

سيترك مولر أثره في جنوب أفريقيا بغض النظر عن تأهل بلاده إلى النهائي من عدمه، وسيكتب هذا اللاعب الشاب فصلا ناجحا يشرف الاسم الذي يحمله لان عائلة مولر حصدت النجاح في جميع مفاصل الكرة الألمانية حتى وان كان أصحابها غير مقربين.

من المؤكد أن اسم مولر ليس بالوزن الخفيف الذي يمكن حمله بسهولة في كرة القدم الألمانية، وخصوصا عندما يلعب اللاعب في صفوف فريق بايرن ميونيخ في مركز هجومي، لان المقارنة ستكون حينها حتمية بين من يحمل اسم مولر والمهاجم الأسطوري جيرد مولر.

أوجه الشبه وكثيرة هي أوجه الشبه التي تجمع بين "المدفعجي" مولر أفضل هداف في تاريخ منتخب ألمانيا، ومولر الشاب.

بالطبع كلاهما يحمل اسم العائلة ذاته، وكلاهما ولد في مقاطعة بافاريا، لعب جيرد في صفوف بايرن في الستينات والسبعينات، في حين بدأ توماس مسيرته في صفوف الفريق البافاري الموسم الماضي، كلاهما يملك حاسة التهديف، وكلاهما حمل أو يحمل الرقم 13.

لكن أوجه الشبه تتوقف هنا اقله حتى الآن، لان المدفعجي يملك سجلا قلة من النجوم تستطيع أن تتبجح به، فهو توج بجميع الألقاب، حيث رفع كأس العالم عام 1974، وكأس أبطال الأندية الأوروبية 3 مرات (1974 و75 و76)، وكأس الأمم الأوروبية مرة واحدة (1972)، بالإضافة إلى الدوري المحلي والكأس المحلي مرات عدة، ويحمل الرقم القياسي في عدد الأهداف المسجلة في صفوف منتخب بلاده حيث نجح في هز الشباك 68 مرة في 62 مباراة خاضها بين عامي 1966 و1974، وزارها أيضا 365 مرة في البوندسليجا.

وشاء القدر أن يكتشف جيرد مولر الذي يعمل مدربا في قطاع الناشئين في صفوف فريقه السابق، توماس مولر قبل سنتين وقال بالحرف الواحد "هذا اللاعب يستطيع أن يبدأ مسيرته في الحال، يملك ميزات عدة أبرزها قدرته على التسديد بالقدمين وبالرأس ويمكن أن يشغل مركزا على الجبهة اليمنى أو اليسرى.

ونال مولر الجديد الإشادة من مولر القديم الذي قال عنه "يذكرني توماس كثيرا بنفسي عندما كنت شابا، يقوم باستدارته كما كنت افعل أنا سابقا".

وبالفعل، فإن مسيرة مولر شهدت انطلاقة صاروخية، فقبل األ من سنة كان يلعب في الدرجة الثالثة، لكنه ضرب بقوة في موسمه الأول في صفوف بايرن ميونيخ حيث سجل 19 هدفا في 52 مباراة وأحرز الثنائية المحلية (الدوري والكأس)، وكان قاب قوسين أو أدنى من أن يتوج بالثلاثية لو قدر لفريقه أن يفوز بدوري أبطال أوروبا لكنه خسر النهائي أمام إنتر ميلان الإيطالي 2/صفر.

وأبرز دليل على موهبة مولر وثقة مدربه الهولندي لويس فان جال به، أن الأخير فضله معظم فترات الموسم الماضي على الهداف الخطير ميروسلاف كلوزه، أما على صعيد المنتخب، فإن يواكيم لوف لم يقف متفرجا أمام موهبة هذا المهاجم الصاعد، فجعله من الركائز الأساسية وفي حال نجح "مانشافت" في تخطي إسبانيا والوصول إلى النهائي فسيكون مولر أمام فرصة أن يتوج هدافا للعرس الكروي كما فعل مولر الكبير عام 1974 وأن يحذو حذوه ويرفع الكأس الغالية أيضا.