• "المدن كائنات تصمت، لكنها لا تنسى، وعلى هذه الصفحات بعض ما فاض من إناء الغليان".. بهذه الكلمات وفي أول صفحة تبدأ رواية "مقام حجاز" للنفس الكريمة؛ محمد صادق دياب، وبالرغم من قصر الرواية، حيث لا تتجاوز صفحاتها المائة إلا أن كل صفحةٍ منها قادمةٌ من مئات السنين، منذ بناء سور جدة 1513 لتحصينها من غزو البرتغاليين، منذ تلك الأيام المريرة، بعمقها وروحها ورائحتها. يظهر فيها "دياب" كما هو دوماً؛ قريب الكلمات، تلقائياً وصادقاً، ومزدحماً بالأزقة والحكايا والأشرعة، مثقلاً بما يقال وما لا يقال من التاريخ.

• هذه الرواية توثيقٌ من نوعٍ آخر لما يزيد عن خمسمائة عام من حياة هذه المدينة، منذ 1513م وحتى 2011م، جاءت عبر سردٍ لحكاية أسرةٍ، عاشت في تلك الحقبة، ترجع نسبتها وكل قصتها إلى رجلٍ يدعى "دحمان" قتله "حسين الكردي" فحمل ابنه "ابن دحمان" دم والده، وعاش ليثأر لهذا الدم ودماءٍ أخرى، سُفكت بجورٍ وطرائق فظيعة.

• من هذه الرواية عرفت حكاية سور جدة 1513م، وحصار البرتغاليين لجدة 1541م، وعرفت قصة مقتل المظلوم "عبدالكريم البرزنجي" 1725م، وما زالت إحدى أقدم حارات جدة تسمى بـ"حارة المظلوم" حتى هذا الوقت، وعرفت حقيقة حادثة مذبحة الدبلوماسيين الأتراك 1858م، وعرفت وعرفت، وأخيراً عرفت لماذا يحب محمد صادق دياب مدينته جدّة لهذا الحد.. وبعد أن فرغت من روايته التي لا تنتهي، أحببت هذه المدينة أكثر وأكثر.

• وهنا مزمار جداوي حيّ: http://www.youtube.com/watch?v=qhE-vpRK7Oo

• محمد صادق دياب.. رأس تحرير عدد من المطبوعات المحلية الشهيرة، يطلّ علينا كل يوم في عموده بجريدة الشرق الأوسط، له ثمان مؤلفات هي؛ (الأمثال العامية – ست عشرة حكاية من الحارة – ساعة الحائط تدق مرتين – عباقرة الفن والأدب.. جنونهم وفنونهم – جدة.. التاريخ والحياة الاجتماعية – امرأة وفنجان قهوة – المفردات العامية في مدينة جدة – مقام حجاز).

• "مقام حجاز".. هذه أول رواية بل أول كتابٍ أقرؤه بعد معرض الكتاب، فطالما انتظرناها، وكنت كلما سألت جميلنا "دياب" عنها: "متى سنقرأ روايتك عن جدة" يجيب بكل حميمية وتواضع "والله ما أعرف أبو عابد". حسناً هذه هي بين أيدينا الآن، وبحق.. أشهد أنها تستحق كل هذا الانتظار، بلغتها وروحها، ومنذ توقيع إهدائها المؤثر والممهور بهجير المرض.. حيث يقيم الآن محمد صادق دياب في لندن لتلقي علاجه من وجعٍ، نسأل الله أن يكون عارضاً، وألف لا بأس عليك من كل هجيرٍ أبا غنوة. نحبك ونثق بالله أن سترجع مغموراً بصحتك وحبرك العفويّ الجميل.