لا أنوي هذا الصباح، مطلقاً أن أناقش جملة معالي وزير الخدمة المدنية، الأستاذ محمد الفايز، وهو يقول لبضعة عشر مهندساً أتوا إليه: لا تتجمعوا مثل النساء.

كل الذي أود مناقشته اليوم ليس إلا خلفية هذا الحاضن الثقافي الذي يجعل من المرأة مفرداً ومن النساء جمعاً.. ثقافة انتقاص وازدراء وصلت حتى إلى لسان ـ معالي وزير ـ في تشبيه شارد. ومع هذا فإن صاحب المعالي لم يخرج عن (النص). والنص الذي أقصده هنا هو النص الثقافي في البنية الاجتماعية الشاملة، فمعاليه ليس إلا (لساناً) واحداً من ضمن هذه الحزمة.

وفيما سبق، كافح بعض الخطاب الديني المعتدل الجميل مفردة (أكرمكم الله) عندما يرد اسم المرأة في بعض ثقافاتنا الشعبية، وفيما يبدو نجح هذا الخطاب كفاحاً مع الأعراب في القرى والخيام والهجر، ولكن فيما يبدو أن ذات الخطاب قد نسي أن انتقاص (النساء) وازدراءهن ربما وصل إلى بعض مكاتب اتخاذ القرار. معالي الوزير، ربما لم يقلها بقصد، وإنما استلهمها من ثقافة تعبوية في ـ العقل ـ الباطن. وبالمناسبة، تطربني ـ مفردة العقل الباطن، لأنها تربط بين العقل والبطن، ومرة أخرى فالنساء لدى جل الطبقات لا يعنين بأكثر من المنطقة ما تحت البطن. ومرة أخيرة اسمحوا لي أن أنسحب من تفاصيل هذه الرمزية، فأنا، بضعفي ونحول ظهري وهزال (وزني) أقل وأضعف وأجبن من أن أحاور وزيراً حول جملة شاردة وحول ما يقصد أو ما لا يقصد. ومن يقرأ جملة معالي الوزير فسيظن أن ـ النساء ـ يسرن جماعات في دهاليز المكاتب وأروقة الوزارات وفي بطون الشوارع وحتى مهابط الأودية للمطالبات الجماعية بما يعتقدنه من حقوق مسلوبة. قد لا يعلم صاحب المعالي أن كل امرأة لا تجتمع حتى مع نفسها في لحظة تأمل إلا بموافقة بطركية فحولية.. وقد لا يعلم أن اجتماع بضع نساء على شكل ـ بائعات ـ في سوق مركزي ضخم تحت نظر الخلق قد تحول إلى قضية رأي عام مجلجلة، هؤلاء هن ـ النساء ـ في الثقافة الشعبوية الواسعة: خطيئة وجريمة وذنب متحرك حتى وهن يثبتن العكس.