أتعجب كثيرا كغيري من موظفي القطاع الحكومي بهذه البلاد، وتذاكي بعض الوزراء، ومديري عدد لابأس به من وزارات الدولة الهامة وسرعة الرد مباشرة على أي موظف يحاول أن يبحث عن نظام، وقرار، ولائحة تصب في مصلحته متى ما قابلته أي عقبة، أو مشكلة ويبقى هذا الموظف المغلوب على أمره يرفع البرقيات، والشكاوي، والتظلمات واحدة تلو الأخرى لأصحاب الشأن في وزارته وإدارته ويسرقه العمر، وتتقدم به السنوات دون أن يشعر بذلك وقد تأتيه بارقة أمل بتجاوب مسؤول، وانفراج كربته بعد مطالبات ومخاطبات دامت سنين فينصف صباح اليوم، ويصله خطاب يقعده صباح اليوم التالي وفوق ذلك كله يكون جسده قد أصبح مستوطنة أبدية لشتى الأوجاع والأمراض النفسية، والعضوية وحتى العقلية فحقن الأنسولين لا تفارق خلايا جسده وحبوب الضغط قابعة بجيب ثوبه ومهدآت الاكتئاب في درج غرفة نومه ومابين هذا، وذاك تجده مستلقيا كل أسبوع على أسرة أجهزة الغسيل الكلوي لعلة داهمت كليتيه، وسبب ذلك كله النظام المطاطي الذي يقصر في الشتاء، ويتمدد بالصيف، وبصدق العبارة، وأكثرها دقة أن الغالبية العظمى من موظفي هذه الدولة لا يعلمون شيئا عن الأنظمة التي يدارون بها والمسؤول الوحيد عن كل ذلك هم أصحاب الكراسي، والمكاتب الفارهة التي لاهم لأصحابها كل يوم إلا مداعبة أوراق الصحف، والجرائد، والتبسم بخجل للرسوم الكاريكاتيرية خاصة إذا كانت تصف الواقع الحالي لبعض مديري إدارات الدولة، وتصوره بصدق، ودعابة.

وبالعودة إلى صلب الموضوع فإن أي مراجع يحمل بين يديه ملفا أخضرغامقا به بعض الوريقات التي تخص معاملته وعند مراجعة أي إدارة حكومية فإن أول ما سوف يسمعه من موظفي أقسام هذه الإدارة النظام لا يسمح، ولن نخالف الأنظمة، والنظام ما وضع إلا لخدمة الجميع، والنظام يحفظ حقوق الجميع، والنظام يسير أمور الجميع، والنظام يحقق المساواة بين الجميع، والنظام، والنظام، والنظام عندها لن يجد ذلك المراجع إلا الخروج بسرعة البرق حاملا ملفه الأخضر القاتم بيده اليمنى وشماغه بيده اليسرى متجها لمركبته فيجد رجل المرور واقفا له بالمرصاد لوقوفه بشكل خاطئ ويحاول ذلك المراجع أن يشرح سبب وقوفه لرجل المرور فلا يعيره أي اهتمام بل يذكره بمخالفة النظام، ويحرر له مخالفة فورية وأن عليه سرعة سدادها خلال شهر وإلا زادت قيمتها عليه حسب النظام الجديد، وإن أهم ما روعي في الأنظمة التي تدار بها وزارات وإدارات العصر الحديث أنها قد جعلت أكثر سلاسة وطراوة وديناميكية تمكن مسؤولي هذه الإدارات من سرعة الرد على آي موظف يحاول أن يبحث عن حقيقة النظام أو يحاول أن يحصل على حق من حقوقه وبالنظام، النظام المطاطي الهدف والقصد منه أن يمارس المسؤول أو مدير إدارة ما صلاحياته بشكل موسع دون الحاجة لرجوعه لمن هم أكثر منه مسؤولية فيتمطط هذا النظام ويحفظ حقوق هذه الإدارة معنويا والأهم من ذلك كله ماديا.