ما بين فيروز وصباح, وهما من جيل واحد، هو بالضبط مابين أميمة الخليل ونجوى كرم الآن!

تحظى فيروز بمنبر شاهق في نفس المتلقي والتاريخ، وتحظى صباح بتاريخ شاهق في منابر التلقي السبب ذاته والفرق هو الوعي.

(الأغنية رغيف ساخن لا يؤكل بلذة إلا والجوع قبلة والرغيف مخبوز تأكله الحواس من بخار حرارته حين يقدم.. بحب)!

كانت فيروز وتظل كيمياء الأغنية العصية في ذاكرة التاريخ والناس التي أرضت النخبوي والعامي كما يرضي الرغيف جوع الاثنين.. بساطة العمق الشديد في النص واللحن الذي لا يستوعب غير هذا النص والصوت الذي يؤرخ الفتنة.

أميمة الخليل صوت يؤنسن أسمنت المدن التي جاءت في عصر الضجة واللذة وصخب الديجيهات!

استلمت الراية من فيروز وهي في آخر محطات العمر كي لا ينقطع الجسر بعد أن تعثرت في ذات الجسر ماجدة الرومي

استثمرت كهولتين عبقريتين من الجنون جمعت كيمياءهما في مسرح واحد بصوت واحد بقناعة واحدة، محمود درويش ومارسيل خليفة!

صوت أميمة أمومة تحرس الحب والحياة بلا لحظة تكلف!

أتت بمحمود درويش من علياء نصه لتخت صوتها النابض، أقنع صوتها الملحن والمثقف مارسيل أن يلحن ويعزف مرافقاً لها...فقط لإطلاق سرب العصافير من شفتيها.

في المسرح يبدأ العراب مارسيل خليفة يعزف شيئا من عوده توطئة لنسيم الشاطئ الذي سيعم الحضور ليملأ الصدور بنشوة رائحة الزرقة الممكنة وتهافت الطيور حوله:

تكبر..تكبر فمهما يكن من جفاك

ستبقى بعيني ولحني ملاك.

في قصيدة (احبك أكثر) لمحمود درويش تعرف مدى عظمة صوت أميمة الخليل حين تبدأ أو تشرع في آهاتها الشفيفة ينقطع عزف مارسيل خليفة تماماً ويخفت ضوء المسرح ويأخذ الملحن المجنون عوده في حضنه بالطول وينكب عليه ليصبح واحدا من عداد الجمهور وينصت برهبنة شديدة تجاه موسيقى الحنجرة وتدخل مع أميمة في الصوت القادم من القلب.

الحنان الذي لا ينتهي هو صوت أميمة الخليل!

أعجب من محمد عبده حين اكتفى بأنشودة المطر ونكث عهده مع نص الطين لإيليا أبوماضي مع أن الناس تسمع والتاريخ أيضا، ولكن من قال إن كل الناس تخدمها عقولها!

أميمة الخليل غنت في (احبك أكثر) وقالت:

نسيمك عنبر وأرضك سكر..

وكانت هي أميمة الخليل تعني نفسها!!