من حسن حظ اللعبة الشعبية الأولى عالمياً, أن انتصر أول من أمس وأمام مرأى سكان المعمورة، الفكر والإبداع والمهارة وروح الفريق بمعناها الحقيقي, وأصدر أروع فريق عرفته كرة القدم العالمية (روشتة) خاصة لمن يريد صنع وتكوين فريق كروي يتناسب مع الألفية الثالثة التي رسم ملامحها كروياً فريق واحد لا يضاهيه فريق منذ عرفت الكرة بشكلها الحديث وتنظيم منافساتها عام 1863، وكانت مكافأته ذلك المساء كأس دوري الأبطال الأوروبي في حضرة قرابة الـ90 ألف متفرج استمتعوا بسيمفونيات لا تسمع إلا إذا كان مصدرها مقاطعة واحدة (كاتالونيا) ومدينة مضيئة واحدة (برشلونة).

العرض الذي فرضه البطل الأوروبي الأميز والأبرز على أرض ملعب ويمبلي بقيادة المايسترو العبقري تشابي هيرنانديز وبجواره الماهر أندريس أنييستا وبقربهما المعجزة ليونيل ميسي وأمامهم الهداف بالفطرة بيدرو ومعه الهداف الأسطوري للكرة الإسبانية ديفيد فيا, ومن ورائهم الخط الحديدي المكون من كل من المتألق جداً جيرار بيكيه والقوي خافيير ماسكيرانو والمبدع داني ألفيش وإيريك أبيدال (صاحب لقطة النهائي الإنسانية المؤثرة), ومن خلفهم السد المنيع فيكتور فالديز.

هذه المجموعة الخرافية بعزفها المنفرد, وألحانها الخالدة, ومبتكراتها الأرقى والتي تسبق زمنها, أقول هذا العرض بشر به أساطير بنظرتهم الثاقبة منذ عام 2005 عندما أكدوا أن ما يقدمه برشلونة غير معتاد في الملاعب, وهو من أشبه ما يكون بالسحر الحلال.

أتذكر وأنا أتابع ما أشاهده على أرض الملعب بحضرة البارسا كلاما صرح به أحد مبتكري الطرق الفنية الكروية العالمية وهو الإيطالي أريجو ساكي وهو يقول: عندما أشاهد مباراة بعد مشاهدتي لبرشلونة أقول لنفسي هل هؤلاء يلعبون كرة قدم أم لعبة أخرى؟! بالفعل تأكد هذا وأمام أعتى الفرق الكروية العالمية من إي سي ميلان وآرسنال وريال مدريد ومانشستر يونايتد أخيراً, جميعهم (انحنوا) قسراً أمام أداء لم يعتادوه وإن سمعوا به, وركضوا أمام نفس العدد (11 لاعباً) لكنهم يظهرون وكأنهم (22 لاعباً)، وذلك بفعل السحر الأدائي والفكر المهاري الفريد. صحيح فريق أمام فريق, ومدرب أمام مدرب, وحماس أمام حماس مماثل, ورغبة أمام رغبة جامحة, وجوع للفوز أمام فريق نهم في حصد الانتصارات والإنجازات, غير أن كل هذه المعادلات على بساطتها تبدو على أرض الواقع شيئا صعب المنال. فالحقيقة أنه فريق وليس كأي فريق, ولاعبون ليسوا بميزان أي لاعبين آخرين, وفكر لامس المجرة بتطلعه ومبتكراته واستشرافاته وإبداعاته التي تنشأ على أرض الملعب وأثناء مجريات اللعب, فهي لا تدرس ولا تلقن, بل هي مواهب منحها الله لمن يشاء.

مثلما كان ليفربول وريال مدريد وإي سي ميلان وبوكا جونيورز ظواهر القرن العشرين بفعل أساطيرهم الخالدين آنذاك, فإن برشلونة وحيداً استأثر بهيمنة منتظرة وملامحها ترسخت (تنظيراً) و(تطبيقاً) منذ مطلع هذا القرن الحادي والعشرين, ويتفوق برشلونة على ظواهر القرن الماضي بأنه جاء بهوية أداء لم يسبقه فيها فريق كروي بالتاريخ, فضلاً عن أن السحر في الأداء الذي أسر به البارسا عشاق الكرة في العالم دون استثناء لم يحدثه فريق من تلك الفرق الكبيرة والشهيرة, إضافة إلى أن هناك ميزة كبرى تقدمه عليهم ألا وهي أن جل عناصره وأفذاذه هم من تكوين النادي وليسوا مستقطبين من أندية كبيرة وجاءوا وهم مشاهير فقدموا خلاصة ما لديهم وأسهموا في تحقيق إنجازات كروية قارية وعالمية، إلى جانب شيء مهم جداً يتمثل في أن هذا الفريق هو مصدر إلهام البطولات الكبرى لبلده (إسبانيا) حينما ساهمت عناصره المختارة في تحقيق بطولة كأس الأمم الأوروبية ومن ثم كأس العالم, وإنجازهم سابقة في تاريخ الكرة بتحقيق ست بطولات في سبعة أشهر, وهو الإنجاز الأسطوري الأقرب للمستحيل.

تهنئة لجميع البرشلونيين في عالمنا العربي بهذه البطولة الـ72 بكرة القدم في مسيرة النادي الكاتالوني.