لكل ذي مهنة طريقته في التسويق على من يريد أن تروج بضاعته عنده، ومن هؤلاء: السياسيون، والاقتصاديون، والفقهاء.

ولأن الموضوع مُعَنوَنٌ بما يدل على المقصود من بين هؤلاء المسوِّقين لبضائعهم: فسنتحدث عن طريقةٍ واحدةٍ من طرق التسويق المزرية ببعض المنتسبين للعلم الشرعي في السعودية، وهي طريقة أشبه ما تكون بالإعلانات التجارية في وسائل الإعلام المختلفة؛ من حيث المبالغة في تنويع وتزويق وسائل الجذب نحو البضاعة التي لا تنفُقُ بغير انتقاء أقوى طرق الدعاية في نظرهم.

وعندما سبرت طرق الدعاية لدى هؤلاء النفر وجدت أن أغربها وأقواها جرأة واستجداء - للانجذاب نحو تلك البضائع شبه الكاسدة - هو تعبئة ما بين طرفي عنوان هذه المقالة باسم وعمل الواحد منهم؛ لتحقيق النزعة الجامعة بين نقيضي العَيلة والاستكبار في النفس، وسأقتصر على ذكر ثلاثة أصناف من هؤلاء المسوِّقين من أصحاب الفضيلة، وهم: المنشوراتيون، والمؤلِّفون، وكتاب الصحافة.

الصنف الأول: (المنشوراتيون)

هؤلاء الذين ملؤوا الأرض ضجيجاً بمنشوراتهم، وصاحوا بأعلى أصواتهم: هلك الناس، هلك الناس. وهم أهلكُهم، وهم مَن أهلكَهم. سامحهم الله.

إن نظرة فاحصة لواحدة من تلك المنشورات تجعلك تقف على وسائل التسويق المريض لتلك البضاعة المتهالكة، فلا يكاد ينفك المتصدرون منهم عن تعريف الواحد منهم بنفسه بالرئيس سابقاً، أو المدير سابقاً، أو القاضي سابقاً، وهكذا دواليك.

وهم أربعة أنواع:

1- المستدرَجون، وهم الذين ينساقون خلف القائمين على تلك المنشورات حياءً منهم، وإن كانوا لا يوافقونهم في طريقة توصيل نصحهم.

2- الغافلون. وهم الذين يُزج بأسمائهم من غير علمهم ولا موافقتهم، من باب الثقة بمواقفهم تجاه محتوى تلك المنشورات، غير أنهم لا يعترضون على من ورَّطهم.

3- المتشوِّفون. وهم الذين لا يُمانعون من الانخراط مع تلك البوتقة ليُحسبوا من الرموز الإصلاحيين بعد أن تركوا وظائفهم، فخبا بريقهم، وانطفأت مصابيحهم، فتحينوا الفرصة لاستعادة شيءٍ من اعتبارهم (ولو مؤقتاً) وهذا النوع البائس لا يطمع بغير ذلك المكسب المعنوي.

4- الطامحون. وهم قلة قليلة من هذا الصنف؛ غير أنهم هُم من يقود تلك التيارات الناقدة؛ ولو لوَّح لهم أحدٌ بمنصبٍ مُغرٍ لأعاد النظر في مضامين منشوراته، وتبرأ ممن أمضى عليها معه في زمن مَدِّ الشِّباك ونصب الشِّراك.

وشاغلو النوع الرابع من هذا الصنف هم المحرك الأساس لبقية أنواعه، وهم المستفيدون الأُوَل (مادياً، ومعنوياً) من النشاط المستخدم في إثارته أولئك الأغرار المذكورون قبلهم.

الصنف الثاني: المؤلِّفون.

وهؤلاء لا تجد لأحدهم مؤلَّفاً إلا وقد صدَّر غلافه بأنه من تأليف القاضي في محكمة كذا سابقاً، أو بمدير الجامعة الفلانية سابقاً، أو عميد كلية كذا سابقاً.

وهؤلاء يعلمون بِفِطَرِهِم الاقتناصية أن الغالب على المستهدفين بهذه الأحبولة أن قرار الشراء من أحدهم يعتمد على موقع المؤلِف في مجتمعه، وعلى ماهية وظيفته السابقة؛ دون النظر إلى محتوى الكتاب، فوجود كتابٍ لشاغل تلك الوظيفة بين أدراج مكتباتهم إنجازٌ في نظرهم؛ ولو لم يقرؤوه.

وليعلم: أن انتقاد التعريف بالمهنة السابقة للمؤلِّف على الغلاف الخارجي للكتاب لا يسري على ذكر السيرة الشخصية في آخر المؤلَّف؛ بما في ذلك: ما سبق له عمله، أو ما يشغله في حاضره.

كما لا يُمنع المؤلِّف من أن يُصدِّر اسمه في غلاف مؤلَّفه بمسمى مهنته التي يُعرف بها؛ مثل: الطبيب فلان، أو المهندس، أو القاضي، أو المحامي ونحو ذلك؛ لأن مهنته لا تنفك عنه.

كما لا يُمنع من أن يُصَدِّرَ اسمه بدرجته العلمية؛ مثل: الأستاذ، أو الدكتور، أو البروفيسور وما شابهها؛ فشهادته لا تزول بزوال وظيفته.

الصنف الثالث: كتاب الصحافة.

وهؤلاء يُضفون على مقالاتهم البريق الجاذب للقراء بذكر أمجاد سابقة، أو حضارة لهم اندثرت، وغالباً ما يصحب ذلك التسويقَ لمقالاتهم التسويقُ لما يشغلونه في حاضرهم، وهؤلاء الصنف أذكى الأصناف الثلاثة على الإطلاق، فهم يختالون بأذيال الطواويس لاجتذاب القراء لمقالاتهم، ولإغراء ذوي الحاجات بالإسراع في التعامل معهم؛ خصوصاً: فيما له تعلق بالمهنة السابقة لأولئك الكتاب. وعندما يتخذ الكاتب الصحفي هذه الوسيلة للدعاية المحظورة لنفسه: فإنه لا يحتال بذلك على القراء فقط، بل يتعدى إلى جهتين أخريين:

الجهة الأولى؛ الصحيفة التي تنشر له مقالاته المقرونة بتلك الدعاية المجانية من حيث لا تشعر الصحيفة أنها موضع استغلال من محترف.

الجهة الثانية؛ الدائرة المسؤولة عنه وأمثاله، التي التف على أنظمتها التي تمنع أمثاله من الدعاية لأنفسهم حماية لجناب مِهنهم من الإسفاف المبتذل.

هؤلاء هم الأصناف الثلاثة من المسوِّقين لأنفسهم ولبضائعهم بغير ما ينبغي من مثلهم، والأنواع الثلاثة الأولى (من الصنف الأول) أقل الأصناف شراً، وأخفهم ضرراً.

فهل حان الوقت لأصحاب الفضيلة المتقاعدين من الأساتذة والقضاة السابقين أن يتنبهوا لأسباب الزج بهم في قوائم الاحتساب المسيَّس؟ فيمتنعوا من الانسياق وراء أرباب المآرب المشبوهة، بل إن الواجب عليهم مطالبة من تعدى على حرماتهم بإدراجهم ضمن تلك القوائم من حيث لا يعلمون، أو لا يرضون.

وهل حان الوقت لمؤلِفينا الأكارم أن يكتفوا بذكر أسمائهم (في أغلفة مؤلفاتهم) مجردة من مسميات وظائفهم السابقة، والإبقاء على إيراد سِيرهم الشخصية كاملة آخر كتبهم للتعريف بهم إن شاؤوا.

وهل حان الوقت لكتابنا الأعزاء أن يمتنعوا عن استغفال الآخرين بذكر وظائفهم السابقة في التعريف بأشخاصهم؛ احتراماً لقرائهم، وإجلالاً لمراجعهم، وتقديراً للصحف التي ضمتهم إلى كوكبة فرسانها.

وهل آن الأوان لدوائرنا المسؤولة عن أولئك الكتاب أن يراقبوا تصرفاتهم، ويقطعوا عليهم مسالك الاحتيال على اختراق الأنظمة بالدعاية لأنفسهم؟