من منا يستطيع أن ينسى صورة "تيجان الغيوم" المتربعة على جبال أبها الجميلة، أو زمجرة النخيل في أكبر واحة زراعية في العالم. أما صور ربيع "النعيرية" فتلك حكاية السمار حينما يتحلقون حول "شبة النار" وسط البساط الأخضر الممتد في تلك الصحراء الغناء. ثلاث لوحات لا تحتاج إلى تفاصيل كثيرة لفهمها، أو غيابها عن الذهن، تلك الصورة "السياحية" التي تعتبر رافدا مهما، إذا ما أُخرجت بحقيقتها دون تزييف أو تلميع تفقد معه صراحتها الممتعة.

"الوطن" رصدت آراء مختصين فوتوجرافيين لهم خبرتهم في هذا الفن؛ مضيئين على جوانب فنية وموضوعية على ما يصطادونه بعدسات كاميراتهم من صور، تخال حينما تشاهد عددا منها أنك تعيش داخلها!.

سياحية الصورة

تلعب "الصورة دورا كبيرا في التعريف بجماليات المكان، بل هي خير كلام للترويج لزيارة مكان في مدينة معينة، أو أثر تاريخي، أو معلم سياحي، وهي إعلان ناجح للدعوة للقيام برحلة سياحية"، هذا ما يراه الناقد جعفر عمران، والذي كان يرأس لجنة ثقافة الصورة في نادي الأحساء الأدبي، مضيفا في حديث له مع "الوطن": أنه لا بد أن يصحب الصورة "بعض المعلومات عن المكان كشيء من التعريف بمقومات المكان"، معتبرا أن الصورة السياحية "أسهمت كثيرا في رغبة العديد لزيارة جبل القارة في الأحساء من خلال مشاهدات الصور".

تجنب الخدعة

يوضح عمران أن هذه الصور رغم جمالياتها، وجمال المكان الذي التقطت منه، إلا أن "الأمر لا يخلو من خدعة"، بحسب رأيه فـ"الصور التقطت من زاوية معينة وفي وقت محدد". معتبرا أنه لا بد من التنويه، حيث إن "الصورة السياحية قد تكون خادعة عندما يختار المصور زاوية معينة، أو يلتقط جزئية صغيرة من منظر جمالي عام، فيلتقطه بعدسته، ويعالجه من الخدوش، ويضيف عليه بعض الرتوش عبر برنامج الفوتوشوب، فتظهر أنيقة وجميلة وبديعة تأسر العين". مضيفا: أنه "في هذه الحالة ينحاز المصور الفوتوجرافي إلى جماليات الصورة، وليس إلى إبراز المكان، فينخدع المشاهد بالصورة، وربما ينجذب إلى زيارة المكان الذي التقطت منه، فيذهب يبحث عن الأصل الذي شاهده في الصورة، ولكنه لن يجده! لأنها في ذهن المصور فقط، كما أن المعنى في بطن الشاعر". من هنا يرى عمران أنه "من الضروري أن يلتفت المصور الذي يود أن يعرّف بالمكان الذي يعيش فيه، ويدعو الآخرين إلى زيارته، إلى أن يلتقط الصور للمناظر العامة والميادين كي يسمح للمشاهد أن يشارك في الحكم على الصورة"، معللا نظرته هذه بأن "تظل رسالة الفن صادقة، وألا يشوهها ويعبث بها عبر تقنية البرامج، وحتى لا تكون لدى المشاهد ردة فعل عكسية تماما على المكان عندما يزوره، وعلى المصور أيضا".

رافد سياحي

مدير جهاز التنمية السياحية في الأحساء علي بن طاهر الحاجي يرى في حديث مع "الوطن" أن الصورة تعد من "أهم مقومات الدعم السياحي التعريفي لأي منطقة أو محافظة أو مكان ما، وهي المخيلة الأولى في ذهن السائح، فمن يأتي إلى الأحساء لا يمكن أن تغيب عنه صور النخيل والمياه والجبال ـ مثلا ـ وذلك يرجع لمشاهدته لهذه المناظر من خلال الصورة الفوتوجرافية أو المتحركة". وكذلك الحال مع غيوم أبها، والمصيف الطائفي، والشمس بلوحتها الجميلة على الساحلين الشرقي والغربي، أما صورة الحرمين الشريفين فتظل عيون كل المسلمين مغمضة عليها توقا وشوقا لهما. وتلك ببساطة "عبقرية الصورة السياحية".

شراكة مع المصورين

هذه القوة التي تكتنزها الصورة دفعت المؤسسات الرسمية إلى الاستفادة منها، حيث ذكر مدير التسويق في جهاز التنمية السياحية، أنهم اعتمدوا في إعداد "البوروشورات" التي تتحدث عن السياحة في الأحساء واحة النخيل والبترول على "إدراج الصور التي توفر الكثير من الكلام الطويل"، متخذين منها "أداة جذب قوي للسائح"، ومن أهمية ذلك "تمت الشراكة مع جماعة التصوير الضوئي في الأحساء لإمداد الجهاز بالصور التي تظهر الجانب التراثي والطبيعة والثقافة للمملكة عموما والأحساء خاصة"، منوها بـ"دور جماعة التصوير في دعم السياحة السعودية من خلال حصدها جوائز عالمية ومحلية".

لغة عالمية

المصور المحترف شعيب سعيد، اعتبر أن الصورة الفوتوجرافية "لغة عالمية يفهمها الجميع، ويستطيع أن يقرأ مضمونها عامة الناس، وقد تعبر عن ألف كلمة في آن واحد، من هنا نجد دور المصور وأهمية ذلك الدور في نقل الصورة المشرفة والحضارية عن بلاده، بيد أن المناطق السعودية تعج بمناظر حديثة وقديمة تستطيع أن تستوقف الناظر، بل حتى الصحراء وما تحتويه من جمال وكائنات تذهل عيون الغربيين الذين يفتقرون لتلك المناظر، ومنها الربع الخالي".

تأثير الصورة

"المصور يستطيع أن يرصد أجمل الأماكن السياحية، وبتطويع أدواته يظهر المكان بجمال لم يره الآخرون"، هذا ما يراه رئيس جماعة التصوير الضوئي في الأحساء علي الأحمد، مضيفا: أنه "من تجربتنا في المشاركات الدولية لأعضاء الجماعة وجدنا التعطش الكبير من المحكمين ومنظمي المعارض الدولية، حيث تجد صور المملكة محل اهتمام ونقاش وحوار واستغراب في أحايين كثيرة. فبعض الصور غيرت مفهوم الغربيين عن العرب بأنهم يعيشون في الصحراء ويركبون الجمال. فهناك صور أظهرت التطور والنمو العمراني في جميع أنحاء المملكة، بالإضافة إلى صور موسم الحج، والتي تحظى باهتمام كبير نظرا لخصوصية دخول مكة للمسلمين فقط".

ضمان حقوق المصورين

رئيس اللجنة الإعلامية في جماعة التصوير الضوئي بالأحساء، المصور عبدالله العامر، اعتبر أن السياحة من "أكثر المجالات نموا في العالم، وأهم القطاعات الحيوية في التجارة العالمية، فكان لا بد من إبراز هذا القطاع والتخطيط له بعدة مكونات أساسية، ومن ضمنها الصورة"، مبينا أن "المصور وحده ليس قادرا على إبراز المعالم السياحية والتراثية ونقلها للآخر، لذا يتوجب على مراكز المعلومات السياحية والوكالات التعاون مع المصور السعودي، وتشجيعه لمواصلة إظهار جماليات الطبيعة والأماكن السياحية والتراثية في المملكة، وضمان حق ملكية صوره، وتعويضه أو شراء ملكيتها منه، والاستغناء عن المصور الأجنبي". ويشاركه فيما ذهب إليه زميله المصور حسن بوحليقة الذي رأى أن "دور المصور السعودي هو إيصال تصوره ورؤيته لمنطقته، وإبراز جمالها من خلال عدسته الفنية، وذاقته في اختيار الزاوية والمكان، وهذا واجبه كمواطن محب لوطنه". إلا أنه من جهة أخرى كشف عن وجود منغصات يتضايق منها المصور، ومنها استغلال بعض الجهات الإعلامية لصوره، ودعم موادهم بها دون الإشارة إليه مما ينعكس عليه سلبا حينما يرى تراثه ينهب!".

عمود الضوء

الصورة بما تحمل من دلالات مختلفة، تتعدد قراءاتها بتنوع المشاهدين لها، فكل شخص يرى فيها أمورا قد لا يراها الآخرون، ومن هنا تبرز أهمية "الناقد الفني". وفي تعليق للمسرحي المهتم بشؤون الصورة أثير السادة على الصور التي التقطها المصور المحترف عبدالعزيز البقشي لجبل القارة من الداخل، قال: "يتسلل عمود الضوء من ارتفاع ممتد إلى خارج إطار الصورة، فلا نعثر على علامة تشير إلى بلوغنا نهايته، غير أننا بدلا من ذلك نجد في حضور الفتاتين ما يكفي لإنهاض الإحساس بهذا الارتفاع الشاهق، فحضورهما المتناهي في الصغر داخل المشهد جاء ليشد الانتباه لذلك الارتفاع، بالتضافر مع الضوء الذي سيهب الجبل تعرجاته الجميلة وتضاريسه الباهرة"، والسادة يعتبر في قراءته هذه أن "المحصلة أن هذا المكان إذا ما تموضع يوما على رأس عجائب الدنيا، فلن يكون ذلك طرفة تاريخية حتما، بل سيكون الدليل على اتساع شهوة اللعب على هامش ديموقراطية الأزرار الإلكترونية".