كما أوضحت سابقا على صفحات هذه الصحيفة الغراء منذ أكثر من ثلاثة أسابيع تقريبا، تحت عنوان الصدع الحجازي العظيم، أن نشأة هذا الصدع، أي الصدع الحجازي، إن جاز لي التعبير بتسميته بذلك، ليست مرتبطة جيولوجيا بنشأة البحر الأحمر الذي بدأت نشأته في بداية عصر الألوليجوسين Oligocene، أي منذ حوالي30 مليون عام. وقد أوضحت ذلك بالتفصيل في مقالات سابقة. ومن الجدير ذكره أن جميع الحرات Lava والبراكين التي نشأت مع بداية نشأة البحر الأحمر قد اندثرت تماما نتيجة لعوامل التعرية، أما ما نشاهده اليوم من حرات في الحجاز، والتي تمتد جنوبا من اليمن وشمالا حتى سورية، فهي حرات حديثة التكوين، أقدمها تكون في نهاية عصر البليوسين Pliocene، أي منذ حوالي 10 ملايين سنة ومازال تكوينها مستمرا حتى يومنا هذا. أما السبب وراء تكوينها فلم يتطرق له الخبراء، ومعظم من تحدثت معهم في هذا الصدد يصرون على أن نشأة هذه الحرات ناجمة عن تباعد الصفيحة العربية عن الصفيحة الأفريقية، أو فيما يعرف بتوسع البحر الأحمر!! وهذا الأمر قد أنكره العديد من خبراء البراكين، وعلى رأسهم العلامة الكبير الدكتور جون روبول John Robool الذي قضى أكثر من عشرين عاما من عمره في دراسة حرات الحجاز. ونحن في الحقيقة مدانون لهذا الرجل بالكثير، وأصبح هذا الرجل مرجعا علميا بكل ما يتعلق ببراكين وحرات الحجاز. وكم أتمنى أن نكرم هذا العالم الجليل بما يليق بما قدمه لنا من أبحاث ومعلومات علمية قيمة عن حرات وبراكين الحجاز. ومما يجدر ذكره أيضا في هذا المقام أيضا أن هناك الكثير من أمثال الدكتور جون روبول، لهم بصمة واضحة في مسيرتنا العلمية، سأتحدث عن مساهماتهم العلمية في مقال لا حق إن شاء الله.

نشأة الصدع الحجازي أو الخسف Rift الحجازي يكتنفها الغموض، ولم أجد في جميع ما قرأته رأيا أو نظرية علمية مقنعة توضح نشأة وتكوين هذا الصدع، ولكن الحق يقال إن الدكتور جون روبول المذكور أعلاه، وضح ملامح هذا الخسف، وتنبأ بتكون بحر أحمر آخر موازٍ للبحر الأحمر على طول الخسف الحجازي!! ولكن لم يتطرق الدكتور جون إلى الأسباب الجيولوجية التي أدت إلى نشأة وتكوين هذا الخسف!!

وبعد قراءات متأنية فيما كتب من بحوث عن وادي الصدع أو الخسف العظيم في شرق القارة الأفريقية East Africa’s Great Rift Valley، وكان آخرها ما كتبه كل من الخبيرين الجيولوجيين الأميركيين James Wood و Alex Guth اللذين يعملان في جامعة ميتشجان، اتضح أن الخسف الأفريقي العظيم لا يرتبط فقط بمنطقة القرن الأفريقي بل يمتد جنوبا بفرعين: الفرع الأول يتجه ناحية الشرق ليعبر كينيا ويقسمها إلى نصفين من الشمال وحتى الجنوب، ويمتد هذا الخسف حتى يصل إلى جنوب تنزانيا، وقد أطلق على هذا الخسف أو الصدع اسم الخسف الكيني Kenya Rift . أما الفرع الآخر من الخسف فيتجه ناحية الغرب ويطلق عليه اسم خسف البرتاين Albertine Rift والذي يضم بحيرات أفريقيا الشرقية العظمى. وتحول الخسف الأفريقي العظيم إلى ما يسمى الآن بنظام الخسف الأفريقي الشرقي العظيم. وفي رأيي أنه طالما لهذا النظام المتصدع الأفريقي أفرع كثيرة تمتد على طول شرق أفريقا ووسطها حتى منطقة البحيرات العظمى، فلماذا لا يكون لهذا الخسف العظيم فرع آخر يمتد شمالا عبر مضيق باب المندب على طول غرب الجزيرة العربية، والذي أطلقت عليه اسم الخسف الحجازي العظيم؟ (وهناك أسباب قوية تؤيد هذه النظرية لا يسع المقال لمناقشتها). وهذا يعني أن الصفيحة العربية قد انقسمت إلى صفيحتين؛ صفيحة غربية صغيرة سنطلق عليها اسم الصفيحة الحجازية بالإضافة إلى الصفيحة العربية، وهذا السيناريو مطابق ومشابه تماما لما يحدث في منطقة الخسف الأفريقي العظيم، حيث انقسمت الصفيحة الأفريقية إلى صفيحتين، صفيحة صغيرة أطلق عليها اسم الصفيحة الصومالية وصفيحة أخرى أطلق عليها الصفيحة النوبية. ويتوقع الخبراء الجيولوجيون أن الصفيحة الصومالية ستنفصل يوما عن الصفيحة النوبية لتكون على هيئة جزيرة في المحيط الهندي، فهل ستنفصل الصفيحة الحجازية عن الصفيحة العربية، ليصبح الحجاز جزيرة أو عدة جزر في البحر الأحمر، أم سيتكون بحر أحمر آخر يفصل الحجاز عن الصفيحة العربية كما ذكر العالم الجليل الدكتور جون روبول؟ العلم عند الله، ولكن التغيير قادم ولكن على المقياس الزمني الجيولوجي.

هذا الطرح العلمي أكثر تعقيدا مما أوضحته أعلاه، وهو يمثل رأيي الخاص، وباب الحوار مفتوح لجميع المتخصصين.