لا تنتهي الإشكالات التي تثيرها كتابات أدونيس عند الفكرة. فعند قراءة كتاب فكري متخصص، ستدور الأسئلة حول الفكرة، في جدتها أو قِدمها، وقد نجد الأجوبة على أسئلتنا، أو لا نجدها، لكننا سنتفق مع جهد الكاتب ونعذره في تقصيره في الاجتهاد، لننتظر ما سيبنيه في المستقبل على مقولاته السابقة، إما نقضاً، أو تنقيحاً، أو زيادة.

أما أن يكون الكاتب شاعراً ـ مفكراً، وأستاذاً، وصحفياً، ومترجماً، فإن تقديم الفكرة عنده على ما سواها يحتمل نقاشاً قد لا ينتهي، بين الرفض والقبول على درجات نسبية. وأدونيس بذلك لا يأتي موضوعه من فراغ، ففي كل ما كتب وقال أثار جدالاً، بل وأقول إنه يشعر بالغيظ حين يُصادف أن شيئاً مما كتبه مر سريعاً دون اهتمام سلبي، أو إيجابي. ومن المعروف أن معظم الكتاب العرب، صغيرهم وكبيرهم، يشكو من قلة القراءة والنقد لأعماله، وهو أمر صحيح إلى حدٍّ ما، فللقارئ وجهة نظره، مهما كان متواضع الثقافة والخبرة، دون أن ننسى أن ليس كل من كتب هو كاتب!.

ومدخلنا لقراءة المسرحية الشعرية "أشجار تتكئ على الضوء"، هو أن مقولة الأديب نهائية، كونه يتشارك الأفكار مع أشخاص مسرحيته، وكون تلك الأفكار لا تحتمل النقض في قصيدة تالية، وكل ما هنالك أن الشاعر يوزع صوته الشعري على طريقة المسرح الإغريقي، بينما يأخذ الأشخاص والأماكن، في زمان واحد، زمام القول، دون أن يدّعي أحدهم أن قوله صالح لزمان سيأتي، ليتحدث كل منهم عن زمنه، وليستشهدوا بمفكريهم الحاضرين، وأماكنهم الحاضرة، ربما لأن تقنيات الإسقاط التاريخي لم يكن قد اخترعها إنسان ذلك الزمان، فمن حسن بعض الشعوب أنهم بلا أجداد، أو شهداء.

يحضر الشاعر في هيئة راوية، وصاحب "الإنياذة" فيرجيل، يقول: "من جديد، أرى على الشاطئ كواكب مربوطة بحبال الشرق، والغرب ملاّحها التائه".

هنا، وفي مواضع عديدة في الكتاب، يبدو القول صدى لكلام سابق، والحوار لا يطلب رداً مقابلاً من شخصية أخرى، وكأن الحوار ليس حواراً، فكل شخصية تلقي بعبء القول عن كتفي لسانها وتمضي، دون أن تنتظر رداً، أو كأن على القارئ، أو مشاهد المسرحية، أن يكمل الجملة التالية الموافقة لمضمون حوار حُلميٍّ يأتي من مكان ما، في زمان ما قد لا يصلح منطقه إلا في المسرح.

نذكر أن "أشجار تتكئ على الضوء" كتبها أدونيس خصيصاً لمهرجان نابولي المسرحي الدولي، ومُثِّلت فيه سنة 2009، ثم نُشِرت بالإيطالية، وصدرت بالعربية عن دار بدايات للنشر، عام 2010 في دمشق.

من أجواء الكتاب: "الحداثة في الحب لا في الحرب، في الفضاء لا في الحذاء".

"العطش الذي لا يرويه إلا الدمع يتحول إلى بركان".

"قولوا لأولئك الباحثين عن الرغيف لا يزال القمح مريضاً".

"الرغبة! الرغبة! ملح الأرض، ملح الفكر والعمل واللغة". "لا برهان للضوء إلا الضوء".