تدرك وزارة العمل أنها تطبق قرارات تنموية تمس حياة المواطن وتهدف لنمو الاقتصاد الوطني، فتتحدث بوعي إداري جديد، وتقود مشاريعها بعقلية عملية مهنية واقعية، تتحدث بالأرقام وتهتم بقياس الجدوى، معتمدة دراسات علمية وأنظمة ذكية تقرأ وتحلل البيانات، وتقيس مستوى الربح والخسارة، إضافة إلى البعد القيادي الذي يتحدى المحاذير ويكسر حواجزها الضيقة، ماضية قدماً لهدفها التنموي الكبير، تشهد بذلك الإجراءات التي تطرحها واللغة التي تقدم بها تلك الإجراءات للمواطنين. وتعتبر وزارة العمل وزارة الوزارات كونها تتقاطع مع جميع الوزارات، وتشتغل على مشروع وطني كبير هو"التوطين"، الذي يؤمن الجميع بأنه مشروع مجتمع لا مشروع وزارة، ومشروع مستقبل لامشروع حاضر، ويأتي ملف البطالة والتوطين علامة فارقة في مستوى الواقعية والشفافية الذي تنتهجه الوزارة اليوم. ولنقدّر عملية التوطين؛ علينا رصد التحديات، وإدراك حجم مأساة الواقع بناء على الإحصائيات الرسمية التي قدّرت نسبة الزيادة السنوية للعمالة الوافدة بحوالي 5 % أي ضعف معدل نمو السكان السعوديين، الأمر الذي يؤدي إلي اختلال واضح داخل سوق العمل السعودي، ويحرم المواطنين فرصهم العادلة في الحصول على الوظائف، فيجدون أنفسهم عاطلين عن العمل في أكبر بلد مصدر للبترول في العالم، إضافة لانعكاسات البطالة من الخطر على الاستقرار الاجتماعي والاقتصادي والأمني، وهو مايجب أن تشحذ له جهود الوزارات كافة، وكل أطراف سوق العمل السعودي لمجابهته وتخطي تحذيراته. وخلافا لمفهوم نسب التوطين «السعودة» السابق الذي يعني إحلال موظف سعودي مكان أجنبي، والذي حدد نسبة شبه موحدة لتوطين الوظائف بقطاعات العمل الخاص، فإن البرنامج الجديد لوزارة العمل«نطاقات» وضع معايير توطين جديدة أوسع رؤية وأكثر واقعية، فالبرنامج يحمل استراتيجية جديدة تستهدف المديين القصير والبعيد. وتعيد تقسيم سوق العمل من 11 إلى 41 نشاطا. وتقسم حجم المؤسسات إلى خمسة أحجام: صغيرة جدا، وصغيرة، ومتوسطة، وكبيرة، وعملاقة. وتحدد لكل مؤسسة نطاقا (ممتاز، أخضر، أصفر، أحمر) حسب معدلاتها في التوطين، بما يتيح تقييم المنشأة بشكل صحيح ودقيق، وهو برنامج تحفيزي يستخدم معدلات توطين الوظائف كميزة تنافسية، ويربطه بمصفوفة متدرجة من الحوافز والتسهيلات توجه للمنشآت الراغبة في توطين الوظائف، والملتزمة بالاستثمار في رأس المال البشري السعودي، وما على أصحاب القطاع الخاص إلا أن يثبتوا دورهم الحيوي في إنجاح برامج التوطين من خلال خلق بيئة عمل صحية وجاذبة للموظف السعودي، وتدريب الكفاءات السعودية وتوظيفها بالتعاون مع صندوق تنمية الموارد البشرية ـ الذراع المالية (التمويلية) لوزارة العمل ـ الذي يقدم الدعم للشركات بإطلاقه العديد من البرامج التأهيلية التي يحتاجها سوق العمل.

ومن منطلق يتسم بالمسؤولية والمشاركة المجتمعية ذكر وزير العمل عادل فقيه في لقائه مع الإعلاميين والكتاب أن مجهود برنامج نطاقات تمّ "في أربعين ورشة عمل مع مئات من رجال الأعمال، والأكاديميين وكثير من المختصين في تنمية الموارد البشرية والاقتصاديين في الوزارة والوزارات الشقيقة، تضافرت كل الجهود وأخرجت هذا البرنامج الذي لاندعي أنه برنامج كامل ونطلب من الجميع أن يتواصل معنا لنطوره بشكل مستمر". شارحاً المشروع عن طريق العرض المرئي، وموضحاً كل الملابسات والرموز، مما مكن الجميع من الخروج بفكرة كاملة عن البرنامج، ثم استقبل الأسئلة والاقتراحات، وحتى المصادمات بروح المسؤول الذي لايضيق بالشرح ويقبل الانتقاد، رابطاً الصورة ببروازها لتتضح كافة أبعاد المشهد المأمول للتوطين مستقبلا. وكما أن البرنامج مشروع مجتمع فإننا نطمح لمحاسبة كل الشركات المتراخية في السعودة، والقضاء على فساد التأشيرات الذي صعّد مشكلة البطالة ومازال عصيا على الحلول، وإغلاق باب تلاعب الشركات الذي يوفر رقم السعودة بغض النظر عن القيادية ونوع النشاط، ونأمل أن تسعى الشركات للسعودة النوعية، ولا يكون جل اهتمام أصحابها تحقيق الكم الذي يخرجها من النطاق الأحمر أو الأصفر، وهو مايستدعي بذل الجهد من وزارة العمل ومراقبيها، والأمل في هذا المشروع الوطني الكبير أن يعيد الثقة بالمواطن، ويركز على التدريب وتجديد المواهب والكشف عن المهارات وتغذيتها بالتدريب المتواصل، كما ندعو أن تمتد شراكة الوزارة مع القطاع العام، كالهيئة العامة للاستثمار لكي تصبح معنية بالسعودة حقاً. والتباين يبدو جلياً بين القرارات والتوجهات الإدارية الواعية القائمة على الشراكة المجتمعية التي لاتدّعي الصواب المطلق وإن ملكت القرار، وتلك التوجهات القائمة على القرار الواحد المتفرد التقليدي؛ كقرار إغلاق المعاهد الصحية، وإيقاف الهيئة السعودية للتخصصات الصحية أهم التخصصات الفنية التي مازال يحتاج لها سوق العمل بشكل متزايد، فقرار الإغلاق قرار مفصول عن الواقع، وسلبي على التنمية، خاصة ونسبة السعودة في تلك المعاهد متدنية جدا، لاتزيد في القطاع الخاص عن 5 %، بدليل شهادات وتصريحات مسؤولين في الهلال الأحمر التي تؤكد الأضرار الناجمة عن هذا القرار، وتزايد احتياج القطاع الصحي السعودي للشباب المؤهل، والحاجة الملحة لشغل وظائف فنيي التمريض والتخصصات الفنية المساعدة، وقلة الكوادر السعودية فيها، مما يعني أن القرار اتخذ بعيدا عن الجهات ذات العلاقة فضلا عن أن يطرح أمام الإعلام، وهو مايدفعنا للمقارنة بين وزارة العمل في برنامج نطاقات الذي عقدت له أربعين ورشة عمل، وبين أحادية قرار إغلاق المعاهد الصحية وفجاءته، رغم ارتباطه بجهات كثيرة يفترض أن تشترك في دراسته وتحليل جدواه. لاشك أن إغلاق المعاهد سيؤثر سلبا على مستقبل السعودة كمشروع وطني استراتيجي، وعلى سعودة القطاع الخاص تحديداً، فقد صعّد الحاجة للتأشيرات من المئات إلى عشرات الآلاف، كما أنه لم يكن في يوم من الأيام الحل الفعلي لتدني المخرجات التعليمية، لأنه في حال وجود ضوابط ومعايير إشرافية فاعلة يمكن التمييز بين المعاهد الجيدة لتبقى والرديئة لتغلق، والاشتغال على إقامة دورات تأهيلية وبرامج تجسير مناسبة تعطي المتدرب الثقافة الفنية الناقصة، وتعبر به إلى الكفاءة المهنية اللائقة، وإذا ما نمى إلى علمنا أن دول العالم الأول وعلى رأسها أميركا مازالت مؤسساتها التعليمية تخرج فنيين في مختلف التخصصات الصحية، بل إن دولاً أوروبية كألمانيا وفرنسا جربت الاستغناء عن المعاهد الفنية، وعادت عن قرارها لإدراكها خطأه، وهي دول بلغت شأواً عظيماً على خارطة التنافسية الدولية! فإن الأمر يدعونا لاستنطاق وزارة الصحة وسؤالها عن سر قرارها الجذري هذا؟! فهل من مجيب؟!