تحدثت في مقالين منفصلين نشرا على صفحات "الوطن" بتاريخ 13 و 23 مايو 2010 تحت عنوان ماذا يحدث في جزيرة العرب (1 و 2) على التوالي، تناولت فيه التغيرات المناخية التي تعصف بجزيرة العرب وصنفتها إلى نوعين: النوع الأول من هذه التغيرات ممثل في العواصف الترابية التي يتعرض لها وسط وشرق جـزيرة العرب والتي تكون مصاحبة لفترة الانقلاب الربيـعي التي تحدث ما بين شهري مارس وأبريل وبعض من شهر مايو، وهذه العواصف الترابية ليست جديدة على جزيرة العرب ولكن الجديد فيها هو زيادة شدتها منذ بداية العقد الماضي، وهذا بالطبع يعود إلى الارتفاع الواضح في درجة حرارة الغلاف الجوي أو فيما يعرف بمصطلح ظاهرة الاحتباس الحراري.

أما النوع الثاني: من هذه المتغيرات المناخية فيظهر واضحا وجليا في شدة الأمطار والفيضانات التي يشهدها جنوب جزيرة العرب خاصة كلا من الركنين الجنوبي الشرقي والجنوبي الغربي منها، ويتوقع خبراء المناخ أن هذه التغيرات ستستمر لسنوات عديدة قادمة، ويجب أن ندرك أن هذه التغيرات لا تقتصر فقط على جزيرة العرب بل تشمل جميع المناطق الواقعة شمال خط الاستواء وحتى خط عرض 20 درجة شمال، ومنها الهند والصين وإفريقيا وأمريكا الشمالية، والسبب في ذلك كما أوضحته في العديد من المقالات السابقة هو سلوك الشريط الاستوائي Inter-tropical convergence zone المتمثل في رحلته شمالا في نصف الكرة الشمالي في فصل الصيف، ومنذ أربعة أيام تعرض الركن الجنوبي الشرقي من جزيرة العرب وبالتحديد سلطنة عمان إلى إعصار مدمر صنف على أنه من الدرجة الرابعة وبلغت سرعة الرياح فيه حوالي 150 كيلومترا في الساعة، وكمية الهطول بلغت حوالي 25 سم (وذلك حسب ما ورد في الأخبار الفضائية) وبلغ عدد ضحاياه أكثر من 15 شهيدا، وفي عام 2007 تعرضت أيضا سلطنة عمان إلى إعصار آخر أطلق عليه اسم جونو الذي ذهب ضحيته 25 شهيدا وعشرين مفقوداً.

الرسائل العديدة التي تلقيتها على بريدي الإلكتروني تدل دلالة واضحة على اهتمام الكثير من أبناء هذا البلد الكريم بقضايا التغير المناخي، وشملت هذه الرسائل العديد من الأسئلة أحاول جاهدا الإجابة على بعضها. أولا، لا خوف من هذه التغيرات المناخية إذا أعددنا العدة لمواجهتها، فنحن من أقل الدول التي تقع على نفس خطوط العرض تأثرا بهذه التغيرات المناخية، ولتجنب مخاطر هذه التغيرات المناخية، كل ما عليك فعله هو عدم الخروج من منزلك أثناء هطول الأمطار ما أمكنك ذلك، وعلى المسؤولين في وزارة التربية والتعليم التأكد من أمرين الأمر الأول وهو قدرة المباني المدرسية على الصمود أمام هذه التغيرات المناخية، أما الأمر الثاني فهو التأكد من عدم وقوع هذه المدارس في مجاري السيول وبطون الأودية!

سألني أحد القراء عن الطريق التي تسلكه الأعاصير القادمة من بحر العرب، وعدم تمكنها من التغلغل شمالا في جزيرة العرب؟ ولماذا ترتد مرة أخرى جنوبا في اتجاه بحر العرب ثم شرقا في اتجاه شبه القارة الهندية بعد ملامستها الطرف الجنوبي الشرقي من جزيرة العرب؟ أولا يا أخي عدم قدرة هذه الأعاصير على التغلغل شمالا في جزيرة العرب هو رحمة من الله سبحانه وتعالى، فجزيرة العرب غير مهيأة لاستقبال مثل هذه الأعاصير للعديد من الأسباب، منها أن هذه الأعاصير عادة ما تستمد القوة المحركة لها من حرارة المياه السطحية للبحار، والشذوذ الواضح في ارتفاع درجة حرارة المياه السطحية لبحر العرب من الأسباب الرئيسية في تكوين هذه الأعاصير، فعند ملامسة هذه الأعاصير لليابسة فإنها تفقد المصدر المولد لطاقتها لذلك تضعف هذه الأعاصير وتتحول إلى عواصف مدارية رعدية، السبب الثاني الذي يقف حائلا دون تغلغل الأعاصير داخل جزيرة العرب هو الارتفاع الواضح في قيم الضغط الجوي في وسط جزيرة العرب والذي يعمل كحائط ترتد عليه جميع الأعاصير القادمة من بحر العرب، أما السبب الثالث فيعود إلى الانخفاض الواضح في قيم الضغط الجوي النسبي فوق شبه القارة الهندية في فصل الصيف الأمر الذي يعني بالضرورة توجه الرياح والأعاصير جهة الشرق أي جهة شبه القارة الهندية، أما السبب الرابع فيعود إلى ما يعرف بالرياح النفاثة تحت الاستوائية Subtropical Jet Stream وهي عبارة عن رياح نفاثة تسير في اتجاه واحد من الغرب إلى الشرق على هيئة حزام يحيط بالكرة الأرضية وتصل سرعتها إلى حوالي ألف كيلو متر في الساعة، والرياح النفاثة هذه تلعب دورا هاما في تشكيل الأعاصير Hurricanes خاصة تلك الأعاصير التي عادة ما تعصف بشرق الولايات المتحدة الأمريكية ومنطقة بحر الكاريبي ولا يسع المقال لمناقشة هذا الأمر! هناك أمر آخر يجب أن ندركه أخي السائل، هو أنه لو قدر لمثل هذه الأعاصير أن تتغلغل في جزيرة العرب، لحملت الحركة اللولبية لهذه الأعاصير كميات هائلة من الأتربة قادرة على ردم الكثير من القرى والمدن في جزيرة العرب، مما يجعل الحياة شبه مستحيلة في بعض مناطق جزيرة العرب، فتخيل أخي القارئ كمية الأتربة التي ينقلها إعصار تصل سرعة الرياح فيه إلى أكثر من 150 كيلو مترا في الساعة عندما يمر فوق صحراء الربع الخالي أو صحراء الدهناء أو صحراء النفود! هناك الكثير مما يقال في هذا الموضوع ولكن المقام لا يسمح. نسأل الله السلامة لجزيرة العرب.