إنه جيوم نيري (Guillaume Nery) فقد ذكر في مقابلته التي أجراها مع مجلة در شبيجل الألمانية (العدد 32 تاريخ 8 أغسطس 2011م) أنه وصل إلى عمق 115 مترا، وكتم أنفاسه ثماني دقائق، وكاد يموت في إحدى المرات وهو يخرج من الماء. وهذا الوقت من كتم النفس يصدمنا نحن الأطباء، فالعقيدة التي نعرفها في الطب أن الدماغ يموت بغير رجعة إذا انقطع عنه الأوكسجين خمس دقائق، ولذا فنحن جراحو الأوعية الدموية عندنا قواعد في إغلاق حنفيات الدم (الشرايين) في أماكن بعينها بسبب نقص الأكسجين، وهو الذي يدعو جراحي القلب أيضا إلى أخذ الدم خارج الجسم ودفعه من جديد إلى الشرايين التي تغذي الأعضاء النبيلة، وقوس الأبهر مثلا يتحمل قطعا في الدم لا يتجاوز دقائق معدودة، أما شريان الكلية فأمامه نصف ساعة أثناء زرعها من إنسان لآخر، غير التطابق النسيجي؛ فنحن نتكلم هنا عن الزمن الذي تتحمله الكلية عند انقطاع الدم عنها. يصف هذا الشاب الجريء وعمره 29 عاماً أنه تدرب منذ أن كان بعمر 15 عاماً، وعنده طريقة فنية لملء الرئتين يالأكسجين بشكل متقطع، فيرفع حجم الأكسجين عنده إلى عشرة لترات وهي في العادة ستة ليترات، ثم يسترخي بدون توتر وهو هام جدا، ثم يلقي بنفسه في اليم. يقول إن الأمتار الأولى لا بد للإنسان فيها من ثقل يدفع به عميقا، فإذا نزل إلى عمق 35 مترا فتجاوزه لم يبق ثمة حاجة لشيء غير ثقل الجسم، وحين يصل إلى عمق المئة متر يكون الضغط ساحقا على الجسم بمعدل 13 كيلوجراما على السنتيمتر الواحد، وتنكمش الرئتان إلى حجم البرتقالة بنصف ليتر من الهواء، وهنا يبدأ الجسم بأخذ الأوكسجين من الدم. يقول جيوم نيري: علينا أن نتصرف مثل السيارات الاقتصادية فلا نستهلك الكثير من الأكسجين بالحركة. أذكر جيدا من قناة الديسكفري وهي تستعرض طيفا من كائنات البحر وهي تقول: إن ثلاثة أرباع سطح الأرض ماء، ومع ذلك لا نعرف هذا العالم. لقد حاول جول فيرنيه في القرن التاسع عشر من خلال قصة الكابتن نيمو والغواصة نيتيلوس نقل مثل هذه الأفكار الخيالية ولم تكن الغواصة معروفة بعد. لقد مثلتها هوليوود بفيلم "عشرين ألف فرسخ تحت الماء" وكان بطل الفيلم كيرك دوجلاس البحار الماجن، وكيف أدى بعمله إلى هلاك هذه الغواصة.

إنها قصة جديرة بالاطلاع وكذلك الفيلم. يقول جيوم نيري إن متعة البحر لا حد لها؛ فالغطاس يتحرك كيف يشاء في أي اتجاه.

يقول هذا الغطاس الجريء إنه حين يخرج من الماء يعيده إلى حالة الطفل حين يستنشق نسماته الأولى وهو يخرج من الرحم. مع هذا فالرجل يغطس ويرافقه فريق، وقد كاد يهلك في إحدى الغطسات فانتشله الفريق بين الموت والحياة. سألته المجلة عن هذه المغامرة المجنونة والتلاعب بالحياة، فكان جوابه لقد خسرنا بعض الناس مثل العربي عادل أبو حليقة قرب مدينة كالاماتا اليونانية في عمق 70 مترا ولم يعثر له على أثر، وليس الوحيد فقد مات البلجيكي باتريك موسيمو (patrick Musimu) وكذلك (لوي ليفرمي Loic LEFERME) وكان صديقا لصاحبنا نيري مما صدمه، وامتنع لأكثر من سنة عن الغوص، ثم عاد بعد أن قَبِل فكرة الموت وأننا رحالة في هذا العالم إلى أجل مسمى. يقول نيري حتى الآن فإن عمق 150 مترا محرم علينا، والرقم القياسي وصل إلى 124 مترا، وأنا أخذت الرقم العالمي عام 2008 بعمق 115 مترا ومن غطس إلى 150 مترا ما خرج قط إلا بالآلة فهي تدفعه لعمق 200 متر ثم تشفطه للأعلى فهذا ممكن. يبقى سؤال عن أعمق نقطة في البحر؟ إنها أعلى من قمة إيفرست في هيمالايا مقلوبة! قمة إيفرست 8888 مترا، أما عمق المحيط في بحيرة ماريانا في الهادي فتصل إلى 11 كلم عمقا، والإنسان المسكين يغطس 100 متر، أي جزء من مئة من عمق المحيط، ويسمى بطل الغطس! فتبارك اسم ربك ذي الجلال والإكرام.