أهم ما تتميز به البرامج الوثائقية هو ابتعادها ـ إلى حد كبير ـ عن صداع السياسة، وجدل الأيديولوجيا، واقترانها بالبحث والتوثيق، ومحاولاتها الكشف عن كل ما يتعلق بالقضية أو الموضوع الذي يتم توثيقه..

الأجمل أن معظم هذه القضايا أو الموضوعات إما ثقافية تتعلق بعادات وأعراف الشعوب وأنماط حياتها، أو معرفية تبحث في سيرة عالم وقصص لاختراعات واكتشافات غيرت مسار التاريخ الإنساني، أو إنسانية تركز على قضايا ذات أبعاد أخلاقية في مجتمع بعينه..

الأهم في هذا كله أنك لا تجد آراء اجتهادية أو تخمينية من قبل فريق العمل تتعلق بأيٍّ من هذه القضايا.. كل ما تفعله القناة هو ذلك الجهد الجبار في محاولة تسليط الضوء من كل الزوايا حول القضية موضوع البرنامج.. تحضر في المكان.. وقد يكون المكان مختبرا ألمانيا، أو مكتبة إنجليزية، أو غابة استوائية، أو معجزة هندسية في العمارة، أو معبد قديم، أو قرية أفريقية.. ثم تدع الحديث لكل من له علاقة بالموضوع: عالم كيمياء، أو عالم جيولوجيا، أو مؤرخ، أو مهندس معماري، أو محقق فيدرالي، أو أحد قراصنة الساحل الأفريقي.. المهم أن ما تراه في حلقة واحدة قد يستغرق عدة أسابيع أو أشهر من البحث والتوثيق النظري والشفهي.. يتم جمع المعلومات والوثائق بشتى الطرق والوسائل، وبأعلى قدر من المهنية، ثم يترك الحكم في النهاية للمشاهد وحده.. تتميز هذه البرامج أيضا بالزخم الهائل من المعلومات والمعارف، والجودة والدقة والاحترافية العالية في الإخراج والتصوير والمؤثرات..

معظم هذه البرامج غربية، وهي قليلة بالطبع، ربما لأن تكلفتها الإنتاجية باهظة، كما أن هذه الثقافة ـ الوثائقية ـ حديثة على إعلامنا العربي، ومع كل محاولات الجزيرة الوثائقية التي أنتجت بعض الأعمال إلا أنها لا تستطيع الصمود والبقاء لولا تعاونها مع BBC مثلاً، وما يحمد لـ"لجزيرة" و"أبوظبي" nationalgeographic هو عرضهما وتعريبهما للكثير من الوثائقيات الغربية.

نحن أحوج ما نكون إلى مثل هذه البرامج؛ التي لا تخلو من كشوفات علمية ومعرفية، وذلك للتكفير عن مشاهدة بعض القنوات التي تشوه العلم والتراث والفن.