في يوم الأربعاء 7 سبتمبر من عام 2011م نقلت الأخبار عن طوابير الموت في سورية بعدد بلغ 34 ضحية في يوم واحد! المظاهرات والاحتجاجات لم تقف منذ ستة أشهر، بعد احتقان دام نصف قرن، وطوابير الموتى قفزوا لستة آلاف على ما نقله لي ناشط من جمعية آفاز (Avaas) لحقوق الإنسان العالمية في مونتريال. سؤال أطرحه على نفسي دوما كم سيبلغ عدد القتلى في سورية حتى تتوقف حمامات الدم؟ هل هناك حافة حرجة لذلك كما حصل في كوسوفو حين تدخلت أوروبا لإنقاذها من أنياب الصرب؟ القتلى من كل زاوية ومن الجنسين ومن كل الأعمار والناس مازالت تستقبل الموت في المظاهرات؛ فإلى متى سيصمد الناس أمام ماكينة القتل الجهنمية؟ نحن جيل التيه والخوف، أعترف بذلك.. لقد نفضنا أيدينا من الوطن بعد أن تحول إلى سجن كبير، ودفعنا ثمنا باهظا في حياتنا من اعتقالات وحرمان وتهجير وهجرة وهرج. هل يا ترى سيكتب على الجيل الجديد نفس قدرنا أم أنه سيتحرر من نظام الحزب الواحد؟ المشجعات هي هزيمة القذافي وسقوط بعض الأنظمة، والمثبطات، القوى المتعددة التي تسند النظام البعثي.

باتريك سيل الصحفي ضحك حين سأله البعض كيف نفهم أن إسرائيل وحزب الله تدعم النظام السوري؟ كان جوابه هذه هي منطقة الشرق الأوسط بمعادلاتها الغامضة وتوازناتها المريبة! لكنه اعترف أن النظام سيسقط بعد معركة دموية طويلة! قال الرجل إنه شائن ودموي لكل الأطراف في سورية أن يقتل في يوم واحد ما يقرب من أربعين إنسانا! لكن كم ستطول هذه المعركة؟

جرجس من لندن وهو محلل سياسي أوصل الزمن إلى سنتين! نعم قد يطول لهذا الوقت. أنا شخصيا أراهن برقم يصل إلى ربيع عام 2012 م، أي ما زال أمامنا ستة أشهر أخرى، قد يقصر الوقت وقد يطول عنه، ويقولون متى هو قل عسى أن يكون قريبا. أنا رجل عشت نصف قرن واعيا للأحداث، وأعرف طبيعة النظام البعثي الدموية جيدا، فقد بني على الدم والجماجم من أول لحظة في يوم المحزنة والشؤم انقلاب 8 آذار 1963. في مقابلة مع مجلة در شبيجل الألمانية قال وزير الدفاع السوري الأسبق طلاس معترفا للصحفية الألمانية سوزان كليلبة أنه كان يوقع على شنق 150 شخصا كل أسبوع في دمشق وحدها. وأن أفضل حل للبلد بتر المعارضة، وبذا عم هدوء القبور والمقابر. هل يمكن أن تعود سورية للعبودية من جديد؟ العقل العلمي يفتح الاحتمالات على صور سريالية مخيفة من جحيم دانتي. أنا شخصيا أستبعد حدوث مثل هذا، فسورية تغيرت. رجل من المعارضة اجتمع بي في مونتريال في كندا سألني عن رأيي في المستقبل؟

أجبته إنه أمر يصعب الرهان عليه. أنا حزين لأخبار الموتى والثكالى واليتامى والحزانى.. فرح لولادة سورية الجديدة حيث يتم ذلك بدم الشهادة. قلت للسيد نيربيه في مونتريال هناك أمران متناقضان في مستقبل سورية، يقين يمازجه لا يقين! تعجب؟ قلت له: اللايقين أننا لا نعرف إلى أين ستصير الأمور؟ ولكن اليقين أن سورية تغيرت، وأن العالم بعد أحداث سبتمبر لم يعد مثل قبله. كما أن العالم العربي لم يعد بعد حريق البوعزيزي مثل قبله.