بات من الواضح خلال عام 2010 أن توفير النفط والغاز الطبيعي لمواكبة الطلب المحلي على الطاقة قد أخذ يشكل تحدياً كبيرا حتى لشركة عملاقة مثل أرامكو السعودية كما أقلق نمو هذا الطلب المصرفيين قبل العاملين في صناعة الطاقة وعلى رأسهم محافظ مؤسسة النقد العربي السعودي الدكتورمحمد الجاسرالذي عبر في كلمته لخادم الحرمين الشريفين الملك عبدالله بن عبدالعزيز في سبتمبر الماضي أن حسن استخدام الموارد الاقتصادية وعلى رأسها النفط والغاز أصبح يشكل تحدياً للاقتصاد السعودي.

وأوضح الجاسر حينها أن الأرقام تشير إلى أن معدلات الاستهلاك المحلي للمملكة من النفط والغاز في تنام مستمر وبنسب عالية، إذ بلغ متوسط نمو الاستهلاك المحلي منهما نحو 5.9% خلال الأعوام الخمسة الماضية، وهي نسبة نمو عالية مقارنة بنمو السكان وحجم الناتج المحلي مما يستدعي بحث أسباب الزيادة في الاستهلاك من النفط والغاز والعمل على ترشيده .

ولكن قلق الجاسر لا يخفى على شركة أرامكو السعودية التي تدخل العقد الثاني من القرن الحالي والبحث عن الغاز الطبيعي هو محور اهتمامها إذ لم يعد إنتاج النفط يشكل لها هاجساً فالشركة لديها ما يقارب ثلاثة ملايين برميل يومياً من النفط قابعة لا يتم انتاجها من إجمالي سعتها الإنتاجية البالغة 12 مليون برميلاً.

ولكن لماذا أصبح حديث أرامكو السعودية عن الغاز الطبيعي خلال 2010 أكثر من حديثها عن النفط خاصة أن التحديات التي تواجهها المملكة ليست بجديدة؟

لقد انتهت أرامكو السعودية في 2009 من تنفيذ أكبر برنامج استثمار رأسمالي في تاريخ الشركة بقيمة 100 مليار دولار (375 مليار ريال) تمكنت من خلاله من الوصول بالمملكة إلى أعلى سعة إنتاجية على مستوى العالم، ولهذا أصبح التحول إلى مشاريع الغاز خياراً طبيعياً فالشركة لديها من النفط ما يزيد عن حاجة السوق العالمية حالياً.

وأصبح اكتشاف حقول جديدة للغاز الطبيعي وبخاصة غير المصاحب للنفط هو التحدي المقبل لأرامكو، لأن الاقتصاد السعودي يحتاج إلى المزيد من الطاقة لكي ينمو. فمن جهة هناك خطة طموحة للصناعة في المملكة بصورة عامة، وصناعة البتروكيماويات بصورة خاصة، وكلاهما تحتاجان إلى الغاز الطبيعي، ومن جهة أخرى هناك زيادة في أعداد السكان على أثرها زاد الطلب على الكهرباء والمياه بنسبة 8% سنوياً.

فالشركة السعودية للصناعات الأساسية (سابك) التي تعد أكبر زبائن الغاز الطبيعي المحليين، لديها خطط طموحة خلال السنوات الخمس المقبلة لإضافة المزيد من خطوط إنتاج البتروكيماويات التي تعتمد في الأساس على الغاز الطبيعي كلقيم.

أما الاستهلاك المحلي على الطاقة فالأرقام فعلا تبدو "مقلقة" إذ نما الاستهلاك المباشر للنفط الخام في المملكة بنسبة 20% سنوياً في المتوسط ما بين عامي 2004 و 2009 ، فارتفعت حصته من إجمالي الطاقة المستهلكة محلياً من 7.1% إلى 12.2%، خلال الفترة نفسها بحسب أرقام وزارة الاقتصاد والتخطيط.

وارتفع استهلاك المملكة من النفط الخام والمنتجات المكررة والغاز الطبيعي من 2.05 مليون برميل يومياً في عام 2004 إلى 2.97 مليون برميل في عام 2009.

ولا تبدو الصورة أفضل حتى 2015، إذ تتوقع وزارة الاقتصاد والتخطيط أن يرتفع الاستهلاك المحلي من 2.97 مليون برميل في 2009 ليصل إلى 4.08 ملايين برميل في 2014 وستأتي غالبية هذه الزيادة في الاستهلاك من النفط الخام المباشر الذي تتوقع الوزارة أن ينمو الطلب عليه بنسبة 11.5% خلال السنوات الخمس المقبلة مقارنة بنمو استهلاك الغاز الطبيعي (كوقود فقط) بنسبة 4.7%. وتعي أرامكو السعودية أهمية توفير المزيد من الغاز خلال السنوات الخمس المقبلة لتلبية الطلب المحلي من أجل توفير النفط الخام للاستفادة من تصديره إلى الخارج، حيث إن السوق العالمي يضع آمالاً عريضة على قدرة المملكة على توفير إمدادات النفط بصورة مستمرة خلال تلك السنوات لأن المملكة هي الدولة الوحيدة التي تمتلك ربع احتياطي العالم من النفط.

وسبق أن أوضح الرئيس التنفيذي لشركة أرامكو السعودية خالد الفالح في مارس الماضي في كلمة ألقاها في هيوستن أنه يتوقع أن تستثمر شركته 90 ملياردولارأخرى حتى عام 2015 مع زيادة النسبة الموجهة منها للغاز، حيث قامت الشركة على مدى عشر سنوات بمضاعفة طاقتها الإنتاجية للغاز تقريبا.

وتعكف أرامكو حالياً على بدء عمليات استكشاف الغاز الطبيعي في البحر الأحمر في محاولة منها لإيجاد حقول جديدة لتوفير مصادر طاقة بديلة عن النفط الخام الذي يتزايد حرقه يومياً لمواكبة الطلب المحلي على الوقود والكهرباء والمياه.

وإلى جانب البحر الأحمر تبحث أرامكو كذلك عن الغاز في منطقة الجلاميد شمال المملكة، والتي توقع الفالح أن يبدأ الإنتاج منها في 2015 كذلك، حيث تجري الشركة عمليات تنقيب واستكشاف واسعة هناك.

وستبدأ الشركة أعمال التنقيب عن الغاز في المياه الضحلة في البحر الأحمر خلال 2011 ومن ثم تنطلق للتنقيب عنه في المياه العميقة في العام الذي يليه بحسب خطط الشركة التي أعلنها مسؤولوها مؤخراً.

وتوقع الرئيس التنفيذي لشركة أرامكو المهندس خالد الفالح في حوار مع قناة بلومبيرج الاقتصادية في ديسمبر الجاري أن يبدأ إنتاج الغاز من البحرالأحمر بعد عام 2015.

وقال الفالح لـ "بلومبيرج" إن التنقيب في البحر الأحمر سيكون أحد أهم مشاريع الاستكشاف للشركة نظراً لأن غالبية الطلب المحلي على الطاقة يحدث في المنطقة الغربية، مضيفاً أنه في حالة اكتشاف مصادر غاز كافية هناك فإن هذا سيساعد كثيراً في التقليل من حرق النفط الخام هناك.

وكانت وزارة البترول والثروة المعدنية قد أعلنت في فبراير العام الماضي عن اكتشاف حقل للغاز الطبيعي في منطقة حزم الجلاميد، سيعزز من طموح المملكة في وصول حجم إنتاجها اليومي من الغاز إلى 13 مليار قدم مكعبة قياسية في 2020.

ولن يكون استكشاف البحرالأحمر سهلاً بالنسبة لشركة أرامكو لأنه سيكون منطقة جديدة عليها تختلف جغرافياً وبيئياً بشكل كامل عن منطقة الخليج العربي التي تحفظها الشركة عن ظهر قلب، الأمر الذي عبر عنه مدير التنقيب بأرامكو في منطقة الظهران علي الحواج في تصريحات سابقة بأنه سيكون "بمثابة التنقيب في أرض جديدة".

ولا تتوفر خرائط مسح سيزمي كافية للبحرالأحمر تبين أماكن تواجد الغاز وهو ما يعني أن شركات المسح السيزمي الموجودة في المملكة ستكون لها فرصة كبيرة في السنوات الخمس المقبلة للحصول على مناقصات جديدة.

وكانت المملكة قد أعطت أربع تراخيص لشركات أجنبية للقيام بعمليات استكشاف عن الغاز الطبيعي غير المصاحب للنفط في المملكة من بينها شركة رويال دتش شل التي تبحث عنه في صحراء الربع الخالي من خلال شركتها (سراك) والتي تمتلكها مناصفة مع أرامكو السعودية.

وأعلنت الشركة في أكتوبرالماضي أنها أنهت المرحلة الأولى من الاستكشاف وكانت النتائج واعدة وهو ما دفعها إلى الدخول في المرحلة الثانية لخمس سنوات قادمة.

وهناك تركيز من قبل الدولة على توفير مصادر بديلة للنفط بعيداً عن الغاز مثل الطاقة الشمسية والطاقة النووية إلا أن مشاريع الطاقة البديلة مازالت في مراحلها الأولى حيث لا تزال جامعة الملك عبدالله للعلوم والتكنولوجيا (كاوست) تعمل جاهدة لتطوير تقنيات الطاقة الشمسية، فيما أنشأت الدولة مدينة الملك عبدالله للطاقة الذرية التي تم تخصيص مبلغ 500 مليون ريال لها في ميزانية العام المقبل نظراً للدور الكبير الذي يتوقع لها أن تلعبه في توفير طاقة بديلة للأجيال القادمة.