دأب الشعب السعودي على الاحتفاء بالوطن في الثالث والعشرين من سبتمبر كل عام، ليكون هذا اليوم فرصة لاستدعاء قيم الوطنية والانتماء، عبر مراجعة تاريخ الوطن، والوقوف على الدروس والعبر المستقاة من مسيرة الملك الموحد، الملك عبد العزيز بن عبدالرحمن ـ رحمه الله ـ مروراً بمعاني الفخر والاعتزاز بما وصلت إليه المملكة من نهضة جمعت كلّ أسباب التنمية الحقيقية، وتركت آثارها نمواً واخضرارا على كل مساحات الوطن الممتد من الماء إلى الماء.

أما على مستوى السياسة الخارجية، فقد تمكنت المملكة، في وقت وجيز، من أن تصبح ذات صوت دولي مسموع، وأن تلعب أدوارا مهمة، عربياً وإقليميا وعالمياً، بفضل سياساتها الخارجية التي تتصف بالشفافية والصدق والوضوح، تجاه مجمل القضايا الدولية، إذ تمكنت من قيادة وإنجاح عدد من المبادرات الإنسانية مثل مؤتمر حوار الأديان، وتمويل مركز أبحاث الإرهاب التابع للأمم المتحدة، فضلا عن عدد من المبادرات الاقتصادية مثل المحافظة على أسعار النفط العالمية، وعقد كثير من الاتفاقات التجارية والاقتصادية مع عدد من دول العالم، ما مكنها من احتلال مقعد في مجموعة دول العشرين الاقتصادية.

السعودية تتميز عن جميع دول العالم بتلاحم منقطع النظير بين الشعب وقيادته، فقلما نشاهد مظاهر التفاف بين الشعب والقيادة كالتي تحدث في السعودية، فعندما تعرض الملك لعارض صحي ابتهل الشعب ليلا ونهارا إلى الله، بأن يمن عليه بالصحة والعافية، وعندما عاد ولي العهد من رحلة استشفاء اصطف المواطنون في الشوارع لاستقباله والاحتفاء بعودته سالماً معافى، وفي أيام سميت بالربيع العربي خرج فيها مواطنو بعض الدول العربية مطالبين برحيل حكامهم، سطر الشعب السعودي أحد أروع مشاهد التلاحم بين الشعب وقيادته، فخرجت الجموع إلى الشوارع تشكر قيادتها على مواقفها المنحازة دائماً للشعب، ليكافئها الملك بمزيد من تحسين الأوضاع وحل المشكلات التي تواجهه.

أجزم أن وطناً كهذا لا يحتاج ليوم واحد يخصص للاحتفاء بمنجزاته واستحضار تاريخه، وشكر قيادته على ما تطرحه من رؤى وأفكار ومبادرات لأجل إنسانه، بل يحتاج كل أيام السنة لشكر جهود القيادة وفي مقدمتهم الملك عبدالله الذي حمل مشاعل العمل والتنمية في البلاد، عبر افتتاح وإنشاء عدد من المدن الاقتصادية في أغلب مناطق المملكة، وتوجيه الدولة واهتمامه الشخصي بالعلوم، من خلال إنشاء جامعة الملك عبدالله للعلوم، وجامعة الأميرة نورة بنت عبدالرحمن في الرياض، إضافة إلى تخصيص موازنات ضخمة للتعليم والابتعاث، والتطوير والتحديث الكبير الذي طال مرفق القضاء عبر مشروع الملك عبدالله لتطوير القضاء، ثم الاهتمام بالفقراء، وحل مشكلة البطالة، وزيادة الرواتب، وحل مشكلة السكن والعقار، وتحقيق الأمن والسلام في ربوع الوطن، من خلال مواصلة الحرب على الإرهاب. كل ذلك مع تأصيل منهج الشفافية والوضوح والانحياز للمواطنين والوقوف في صفهم دائماً، وهو ما تجلى في مواقفه المشهودة منذ كارثة سيول جدة، وصولاً إلى إنشاء هيئة عليا لمكافحة الفساد.

حقاً؛ إنه وطن يستحق أن نستريح كل لحظة من حياتنا على تاريخه، نجدد العهد والولاء، ندعم مسيرته التنموية ونحفز سياساته الخارجية، نسترجع تاريخ الوطن ونستلهم الدروس والعبر من مسيرة الموحد الملك عبدالعزيز، ومن هنا نزف تهانينا لخادم الحرمين الشريفين الملك عبدالله بن عبدالعزيز، وسمو ولي العهد الأمير سلطان بن عبدالعزيز وسمو النائب الثاني الأمير نايف بن عبدالعزيز، ولكل مواطن، فهو يوم تاريخي وذكرى مجيدة.