يبدو أن الفراغ الكبير الذي سيتركه رحيل صاحب السمو الملكي الأمير سلطان بن عبد العزيز، عن مسرح الحياة السعودية والعربية والعالمية لن يُسد بسهولة، فالراحل الكبير يُعتبر من القادة الكبار الذين يتمتعون بشخصية سياسية قيادية جعلته يحظى بتقدير واحترام المجتمعين العربي والدولي، وخلال كل تلك العقود الطويلة التي شهدت مدى حكمته ورجاحة عقله، خاصة وقد مر الراحل الكبير بالكثير من التحولات والتغيرات والتداعيات الكبرى، ليس على الصعيد العربي فحسب، بل وعلى الصعيد العالمي.

سلطان بن عبد العزيز، كان أحد أبرز القادة في النصف الأخير من القرن الماضي، وذلك بشهادة كل من اقترب من هذه الشخصية السياسية الكبيرة، بل وكل من سمع عنها.

سلطان بن عبد العزيز، وخلال أكثر من نصف قرن من الزمن، وهو ينتقل من مهمة إلى أخرى، ومن منصب إلى آخر، استطاع أن يضع لمسيرته الطويلة والحافلة عنواناً بارزاً وكبيراً، وهو التوازن. نعم، سلطان بن عبد العزيز كان مثالاً واضحاً جسد هذه الصفة الرائعة - التوازن - في كل تحركاته السياسية والاجتماعية، وتمتع بشخصية سياسية متوازنة لا مثيل لها، وقد ظهر كل ذلك في تعاطيه مع الأحداث والمواقف والتحديات، حيث أظهر قدراً كبيراً من الهدوء والحكمة والتوازن، فخلال كل تلك السنين الطويلة التي مارس فيها العمل السياسي والإداري، أدار فيها الكثير من الأزمات والمهام، وأشرف بنفسه على الكثير من الملفات الساخنة والحساسة، خاصة في هذه البقعة الملتهبة من العالم- المنطقة العربية - التي لم تعهد الهدوء أو الاستقرار منذ عقود طويلة، فخلال كل تلك المسيرة الطويلة والحافلة، برز هذا السياسي الكبير كأحد عرابي مدرسة "السياسة المتوازنة"، وهو مصطلح يُستخدم عادة للإشارة لنموذج السياسيين الذين يُغلبون دائماً الهدوء والحكمة وضبط النفس في كل ما يواجهون من صعوبات وأزمات وتحديات، وذلك للوصول لصيغ مثلى ومناسبة للكثير من القضايا والأحداث.

كثيرة، هي الملفات الساخنة والقضايا الصعبة التي حملها الراحل الكبير خلال مسيرته الطويلة، واستطاع بكل حنكة وخبرة وتوازن أن ينجح في معظمها، الأمثلة كثيرة جداً، ولكن يأتي الملف الفلسطيني بكل تفاصيله وعقده في مقدمة تلك الملفات الشائكة التي أدارها بكل اقتدار وحكمة، أيضاً الملف اليمني الذي أسهم كثيراً في "حلحلة" الكثير من تداعياته، والكثير الكثير من الملفات الساخنة الأخرى.

شخصية الراحل الكبير ثرية ومتعددة، ولكنني آثرت التركيز على هذه الصفة الرائعة - التوازن - التي كان يمتاز بها خلال كل مسيرته السياسية والإدارية الطويلة، منذ أن عين أميراً للعاصمة الرياض من قبل أبيه الملك عبد العزيز آل سعود، إلى أن ختم مشواره الحافل ولياً للعهد وسنداً قوياً لأخيه خادم الحرمين الشريفين الملك عبد الله بن عبد العزيز، وذلك قبل أن يوافيه الأجل المحتوم في إحدى مستشفيات الولايات المتحدة الأميركية.

رحيل الكبار، يُشكل صدمة مدوية لكل من يعرفهم أو تعامل معهم، بل ويصل الصدى الكبير لتلك الصدمة الكبري لأبعد من تلك الحدود.

غياب سلطان بن عبد العزيز عن المشهد السعودي والعربي والعالمي، ورحيل هذا السياسي المخضرم والمحنك في مثل هذه الظروف الاستثنائية التي تعصف بالعالم، لاسيما العالم العربي الذي يشهد عاماً ساخناً لا مثيل له على الإطلاق، يُعتبر خسارة فادحة. سلطان بن عبد العزيز، رجل الدولة الكبير، والذي يتمتع بمزايا وصفات الكبار، خاصة والراحل الكبير قد عاصر الكثير من القادة والسياسيين العظام، سواء على الصعيد العربي أو العالمي، يرحل في وقت صعب جداً، يحتاج فيه العالم العربي للرجال المتوازنين والعقلاء أمثال سلطان بن عبد العزيز.

سلطان بن عبد العزيز، الإنسان ورجل الدولة والإداري الخبير، مدرسة متكاملة في فن التعامل مع الأحداث والمواقف، بل عالم واسع ومستقل في مفهوم التوازن في الحكم والتعاطي مع الأحداث. الرحيل عن هذه الحياة، حقيقة لا جدال فيها، ولكن قلة فقط استطاعت أن تترك أثراً في هذه الحياة، وسلطان بن عبد العزيز في مقدمة هؤلاء.