حين نتحدث عن رغيف الخبز، فلا بد أن تتلاشى جميع الاختلافات، وتتحد كل الأيديولوجيات لتوفيرذلك الرغيف. كل جائع بغض النظر عن لونه وجنسه وتياره يستحق وقفة للنهوض به على قدميه وتوفير فرصة عيش له ليحيى حياة كريمة. وليس هذا المقال لاستعراض إحصائيات تفاقم البطالة في المملكة، فأعتقد أنها أصبحت من أشهرأحاديث المجالس، وأصبح كثير من الخريجين يصابون بخيبة أمل مع كل شهادة نجاح يحرزونها، ويجدون أنفسهم لا يستطيعون فعل شيء بها غير تأطيرها وتعليقها في غرفهم وتأملها. ووفقا لجريدة الرياض بتاريخ 11-9-2009، بلغ عدد السعوديين العاطلين عن العمل 416350 فرداً وبمعدل بطالة مقداره 9.8% من إجمالي القوة العاملة السعودية. وبشكل تفصيلي، بلغ عدد العاطلين السعوديين الذكور 239176 فرداً وبمعدل بطالة مقداره 6.9 % من إجمالي قوة العمل للذكور السعوديين، بينما بلغ عدد السعوديات العاطلات عن العمل 177174 امرأة وبمعدل بطالة مقداره 24.9 % من إجمالي قوة العمل النسائية السعودية.

على أن هناك الكثير من الكتاب الذين قاموا بتناول مشكلة البطالة وقدموا لها حلولا متنوعة، إلا أن حلولهم كانت تدورغالبا في فلك العموميات، ولم تقدم لصانع القرار خطة عملية قابلة للتطبيق بشيء من الواقعية. والذي يبدو أن إشكالية البطالة لدينا في المملكة قد تفاقمت لعاملين:

الأول: عامل خارجي براغماتي قصيرإلى متوسط المدى، يتمثل في العمالة الوافدة.

الثاني: عامل داخلي ثقافي بعيد المدى تمثل في زيادة عدد السكان، وسوف نحاول عرض ونقاش هذين العاملين بشيء من التفصيل.

فيما يتعلق بالجانب الأول (العمالة الوافدة)، فالكثير يرى أن سبب البطالة المنتشرة بين الشباب السعوديين والسعوديات هو كثرة العمالة الوافدة، والتي تتراوح من 25-30% من سكان البلد. ووفقا لجريدة الوطن بتاريخ الاثنين 20 ديسمبر 2010، يشير تقريرالمنظمة الدولية للهجرة الصادرعام 2010 إلى أن عدد العمالة الأجنبية في السعودية قد بلغ 7.28 ملايين شخص في عام 2010، مُقابل 6.33 ملايين في 2005 و 5.13 ملايين في عام 2000. وهذا يعني أن لدينا كل عام مئتي ألف وظيفة جديدة نستقدم من أجلها مئتي ألف عامل أجنبي.ولو أردنا تصفية هذه الوظائف من المهن التي من الصعب أن يقبل بها سعودي كمهن النظافة وغيرها، وخصمنا مليوني وظيفة، فهذا يعني أن هناك أكثر من 5 ملايين وظيفة يمكن أن تُسعود. وهي تلك الوظائف التي نرى لوحاتها تكسو جوانب شوارعنا العامة التجارية ونراها مكتظة بالعمالة الأجنبية.

والتحدي الذي يمثل أمامنا هنا هو كيف نجعل هذه الوظائف جاذبة للشاب السعودي، بحيث يبدأ الشاب بنفسه البحث عنها عوضا عن أن نحثه على شغلها والعمل فيها دون جدوى. من الصعوبة بمكان أن نتخيل الشاب السعودي مجذوبا إلى هذه الوظائف وهو يرى الذين يعملون بها يفتحون أبوابهم الثامنة صباحا ويغلقونها العاشرة مساءً. ومن الصعب أيضا أن يعمل السعودي في هذه المهن وهو يرى بعض العاملين يتقاضى عشرة ريالات من أجل إصلاح عطل ما في أحد المنازل. والذي يبدوأن هاتين المشكلتين (طول فترة الدوام، وقلة الأجرة) تمثلان العقبتين الرئيستين اللتين تحولان دون انخراط كثير من الشباب العاطلين في هذه المهن. والغريب في الأمر أن هاتين المشكلتين ليستا أمرا غريبا على الدول المتقدمة. فأبسط حقوق العمل والعمال في الدول المتقدمة هو أن يتم تحديد ساعات عمل لهم تماثل الساعات الخاصة بالعمال في القطاعات الحكومية أو الخاصة المكتبية، كالشركات والمؤسسات التجارية. هذا يعني أن يسن قانون عمل يوجب أن يعمل ذوو هذه الفئة من المهن (كهربائي، حلاق، بائع متجر، إلخ) ساعات دوام من الثامنة صباحا إلى الرابعة مساء، أو من الرابعة مساء وحتى الثانية عشرة ليلا أو فترتين: صباحية ومسائية على ألا يتجاوز مجموع ساعات العمل ثماني ساعات. وهذا ما نراه في تلك الدول المتقدمة كالولايات المتحدة، وأستراليا، وبريطانيا؛ تغلق جميع المحلات أبوابها ولا يبقى إلا بعض الصيدليات والمتاجرالكبرى، والتي يعمل من فيها بنظام التعاقب، بمدة لا تتجاوز في كل الأحوال أيضا ثماني ساعات.

أما ما يتعلق بإشكالية قلة الأجور، فهذه أيضا إشكالية مألوفة، وقد وضِع لها ما يسمى بـ minimum wage أو الحد الأدنى من الأجور، أي أن هناك حدا لا يمكن أن يقل عنه الراتب.

حين يسن قانون للحد الأدنى من أجورالعمالة، بحيث يقبض السعودي مالا يقل عن 50-100ريال على ساعة عمله، يجعله يحصل يوميا على مبلغ يتراوح من 200-500 ريال، وتكون ساعات دوامه مقاربة لساعات دوام العمل في الوظائف الحكومية، فأعتقد أننا في ذلك الوقت سوف نرى الشباب السعودي من نفسه يتدافع من أجل شغل هذه الوظائف، التي تدرعلى العمالة الوافدة لدينا مليارات تحول سنويا إلى الخارج.

بقي أن نشير إلى أن هذا الوضع لن يتأتى إلا بصرامة من الوزارات المعنية ضد أصحاب المهن وكفلائهم الذين لا يكترثون بغير تحصيل مبلغ زهيد منهم آخر الشهر، ليتركوهم يعبثون باقتصاد البلد ويحرمون أبناءه أموالا يستحقونها دونهم.

هذا فيما يتعلق بالعامل الأول: العامل الخارجي المؤقت (العمالة)؛ بقي العامل الثاني: العامل الداخلي الثقافي، المتمثل في زيادة معدل النمو السكاني، وهذا ما سوف أتناوله بإذن الله في مقال قادم.