قبل عدة أيام، أصبت بالدهشة والإعجاب ـ والحزن أيضا ـ أثناء تصفحي دراسة رائعة نشرتها هيئة الإذاعة البريطانية (BBC)، وهي عبارة عن قائمة تضم العديد من الأسماء والرموز البريطانية التي كان لها الأثر الكبير في منح الشعب البريطاني الشعور بالفخر والإعجاب والإلهام.

وبنظرة سريعة وموجزة عن الـ12 اسما ورمزا، التي ضمتها تلك الدراسة الجميلة، بحيث تصدرت إعجاب وفخر واعتزاز البريطانيين، نجد أن وليام شكسبير الكاتب المسرحي البريطاني الشهير احتل المرتبة الأولى بنسبة 75? من أصوات المشاركين في تلك الدراسة الرائعة، مما يعني أنهم صوتوا لعبارة "أنا فخور بشكسبير باعتباره رمزا بريطانيا"، وهي الجملة التي ارتكزت عليها تلك الدراسة.

أما الرموز والأسماء والمصادر الأخرى التي منحت البريطانيين الشعور بالفخر والإعجاب فقد جاءت على هذا النحو: الصندوق الوطني ثانيا بنسبة 72?، ثم القوات المسلحة البريطانية بنسبة 72?، ثم علم الاتحاد البريطاني بنسبة 71?، بينما احتل الجنيه الإسترليني المرتبة الخامسة لحصوله على نسبة 70?، ثم نظام الرعاية الصحية بنسبة 69?، ثم النظام الملكي بنسبة 68?، وهيئة الإذاعة البريطانية (BBC) في المرتبة الثامنة بنسبة 63?، أما الإنجازات الرياضية المختلفة فقد جاءت في المرتبة التاسعة بنسبة 58?، أما المرتبة العاشرة وبنسبة 51? فقد كانت من نصيب فرقة البيتلز، ثم النظام القانوني بنسبة 51?، واحتل البرلمان البريطاني المرتبة الثانية عشرة والأخيرة بحصوله على 47? من الأصوات ضمن قائمة الرموز والأسماء التي تمنح البريطانيين الشعور بالفخر والإعجاب والإلهام.

ما أروع تلك القائمة ـ بل القوائم ـ التي تمنح الفخر والإعجاب والانتماء للوطن، وتعكس مدى الارتباط الوثيق والتفاعل الحيوي الذي تُبديه المجتمعات المتحضرة والمتطورة مع مصادر فخرها وإعجابها وسعادتها، وهي ـ لحسن حظ تلك المجتمعات ـ كثيرة ومتنوعة وحقيقية، وتطال تقريبا كل تفاصيل الحياة في تلك المجتمعات المتقدمة والمتطورة.

السؤال الذي يقفز من ثنايا هذه الدراسة المهمة والذي يتبادر إلى ذهنك عزيزي القارئ، تماما كما هو الحال معي: لماذا لا توجد مثل تلك الدراسات والقوائم الرائعة في إعلامنا ومؤسساتنا العلمية والثقافية، فضلا عن فكرنا ومزاجنا العام؟. أو لنُصيغ السؤال بشكل آخر. أين هي تلك المصادر والرموز والأسماء الملهمة التي تمنحنا الفخر والإعجاب والسعادة؟

بصراحة شديدة، لست بصدد كتابة بكائية على "اللبن المسكوب"، ولا أنوي عقد مقارنة بين مجتمعنا وتلك المجتمعات المتطورة، فهي ـ أي المقارنة ـ بلا شك ظالمة وغير متكافئة.

فقط، أحببت أن أشير إلى نقطتين مهمتين، الأولى سلبية، والأخرى إيجابية.

أما النقطة السلبية، فهي خطورة تنامي حالة الشعور بالإحباط واليأس وعدم الثقة في الكثير من مؤسساتنا وإداراتنا، سواء الحكومية أو الخاصة.

هناك شعور عام تقريبا لدى المواطن والمقيم بغياب ثقافة العمل الاحترافي والمهني والشفاف في غالبية تلك المؤسسات والإدارات والوزارات.

هذا الشعور لا يخفى على أحد، كما أن الشواهد كثيرة وتُبرهن بما لا يدعو للشك بحقيقة غياب تلك الثقافة التي لم تتجذر بعد في مكاتبنا ومدارسنا ومستشفياتنا وملاعبنا ومنتدياتنا، بل وفي كل تفاصيل حياتنا.

إذاً، من أين لنا بتلك المصادر والرموز والأسماء التي تجعلنا نشعر بالفخر والإعجاب!

أما النقطة الإيجابية، فهي تتمحور حول الصعود القوي والرائع للكثير من النماذج الوطنية المتميزة في العديد من المجالات والميادين، خاصة الشريحة الشبابية التي تُمثل أكثر من 60? من سكان هذا الوطن العزيز.

يوميا، تُطالعنا وسائل الإعلام المختلفة بنجاحات ومبادرات واختراعات وإنجازات تحققها سواعد وعقول تلك النماذج الشابة التي تمنحنا ـ أو هكذا يجب ـ الشعور بالفخر والإعجاب والسعادة.

ما تحتاجه كل تلك العقول والمساهمات والإنجازات والإبداعات هو بعض الاهتمام والرعاية والدعم لكي تُصبح مصدرا ورمزا للإعجاب والفخر تزدان بها قوائم الوطن الجميلة. تلك القوائم الرائعة التي نفتقدها، والتي نحتاجها كثيرا لإذكاء روح المنافسة والإخلاص والتميز والإبداع، تلك الروح الملهمة التي تدفع المجتمع بكل مكوناته وطاقاته لتحمل المسؤولية الكاملة باتجاه صنع تنمية شاملة ومستدامة تحقق الرخاء والتطور لهذه الأرض الثرية التي نُحسد عليها.

نحن بحاجة ماسة إلى كل من يُشيع ثقافة التكريم والتقدير والاحتفاء بكل مصادر ورموز الفخر والإعجاب والإلهام التي يملكها وطننا الغالي، وهي وإن كانت قليلة ومحدودة، إلا أنها قد تُشكل نواة حقيقية لانطلاقة تصحيحية للكثير من تفاصيل حياتنا.

قوائم الفخر والإعجاب إفراز طبيعي لتبلور ثقافة غربية ترتكز على صناعة الرمز والنجم ومصادر الإلهام، والأمثلة على ذلك كثيرة. محمد علي كلاي، بيل جيتس، متحف اللوفر، برج بيزا المائل، برج إيفل، والكثير الكثير من تلك الرموز والأسماء التي رسخت هذه الثقافة الرائعة التي تُميز تلك المجتمعات المتحضرة.