هدّد نائب الرئيس الإيراني رضا رحيمي بأن إيران ستغلق مضيق هرمز في حال إقرار الدول الغربية لحزمة العقوبات الاقتصادية المزمع تطبيقها على إيران قريبا، وكان كلامه صريحا بأن قال: "إذا أُقرّت عقوبات على (صادرات) النفط الإيراني لن تمر قطرة نفط واحدة عبر مضيق هرمز"، ثم أكّد هذا التهديد قائد القوات البحرية الإيرانية حبيب سياري، وهي القوات المعنية بتطبيق هذا القرار في حال اتخاذه من القيادة الإيرانية العليا، وهذا يعني جديّة التهديد بشكل واضح، حيث قال: إن تطبيق هذا القرار سيكون "أسهل من شربة ماء"!

هذا التهديد للمصالح والأمن القومي الخليجي لا بد أن تكون له مواجهة ورد فعل من قِبل مجلس التعاون والدول الأعضاء فيه، وإلا فإن التهديد يمس أهم مصالح دول المجلس الاقتصادية والأمنية. وقد نقلت نيويورك تايمز بتاريخ 27 ديسمبر 2011 عن مسؤولين بإدارة أوباما، أن الولايات المتحدة قد طوّرت خطة لاستمرار بقاء المضيق مفتوحا، واكتفوا بهذا. ولكن ما هي الآليات التي ستتخذها دول الخليج في حال حصول تهديد كهذا، لا سمح الله؟

لا أريد الخوض في الحديث عن النواحي العسكرية والأمنية، فهذا ليس من اختصاصي، ولكن في نظري؛ أنه يجب وضع خطة استراتيجية لتأمين الصادرات النفطية لدول المنطقة، وأن يتم تخفيف هذا التهديد بإيجاد منافذ أو ممرات آمنة للتصدير بديلة عن مضيق هرمز. فعلى سبيل المثال؛ فإن الإمارات تمتلك سواحل جنوبية بعيدة نوعا ما عن المضيق، ولا أدري هل لدى الإمارات خطوط نفط للتصدير من هناك أو لا؟ كما أن السعودية ـ الأولى في العالم من حيث تصدير النفط الخام ـ بإمكانها الاتفاق مع عُمان لإنشاء خط أنابيب من خلال الربع الخالي إلى سواحل عُمان على بحر العرب، ومن ثم إلى المحيط.

أذكر أن هذا الأمر سبق طرحه قديما، ثم تداول الناس أنباءً عن إيقاف الفكرة، ولا أدري عن أسباب الإيقاف، أو حتى عن تطورات الفكرة، ولكنها من الأمور المُلحة للنقاش، خاصة في هذه المرحلة الحرجة. فهي تُوفّر للمنطقة المزيد من الأمن الاقتصادي، وفي نفس الوقت تُوفر ورقة ضغط سياسية قوية لصالح دول المنطقة تجاه أعدائها، في الوقت الذي تحتاج فيه إلى الكثير من أوراق الضغط السياسي. على المدى البعيد؛ ربما سيكون نقل النفط برّا إلى بحر العرب مباشرة أقلّ تكلفة من النقل البحري، وأسرع من حيث الوقت، وأكثر حماية للبيئة البحرية في الخليج العربي.

ولأجل تحقيق الهدف الاقتصادي بشكل أفضل وأجدى؛ ربما أن تأسيس شركة مملوكة لدول المجلس أو على الأقل الأطراف المعنية وأهمها السعودية والإمارات وعمان وربما قطر فكرة جيدة لأجل تسهيل عملية تأمين هذا الهدف، ومن خلال هذه الشركة يتم شراء أو استئجار ميناء أو عدة موانئ بحرية في عُمان أو الإمارات من أجل تصدير النفط إلى ناقلات النفط البحرية.

تجدر الإشارة إلى أن إيران سبق أن هدّدت عدة مرات باستهداف المنشآت النفطية في المنقطة أيضا في حال الهجوم على منشآتها النووية، ومثل هذه التصريحات المتهوّرة التي اعتدنا عليها وللأسف من إيران، يجب أن تُحْمَل على محمل الجد في إطار وضع السياسات الدفاعية للمنطقة. وأنا هنا لست ممن يدعو أو يؤيد التصعيد مع إيران، بل أقول إن سياسة دول الخليج في تجنّب التصعيد أو الدخول في مهاترات مع الدولة الثورية الإيرانية هي سياسة حكيمة وعاقلة. ولكن في سبيل وضع السياسات الدفاعية؛ يجب توقّع الأسوأ ووضع الإجراءات الوقائية تجاهه.

أعتقد أن شعوب المنطقة الخليجية بما فيها إيران في أمسّ الحاجة إلى بناء علاقات وروابط ثقة بين الطرفين، خصوصا مؤسسات المجتمع المدني، حيث من خلالها يمكن التواصل بين الشعوب مباشرة، وبناء جسور ثقة وتعاون بين الطرفين. فالحرب والسلم تمسّ وتنفع أو تضر الشعوب في النهاية. ومع بناء تلك العلاقات؛ لا يمكن حتى للحكومات الثورية تجاهل مطلب الشعب في علاقات ود واستقرار في المنطقة. كما أن هذا يُغلق الباب أمام دعاة ومؤيدي الفتنة والحرب بين الطرفين (شعوب دول الخليج وإيران)، وقد تكون بداية أو نواة لعلاقات اجتماعية وثقافية واقتصادية بين دول المنطقة.

بالنظر إلى واقع الدول الغربية، وبعد تاريخ طويل من الصراعات الدموية، ومع ما بينها من تباينات واختلافات في الأعراق والأديان واللغات والثقافات؛ إلا أنها استطاعت أن تكوّن علاقات وطيدة بينها، وأن تنسى ذلك التاريخ المُريع، بل تجاوزت ذلك إلى الدخول في اتحاد سياسي واقتصادي واحد. المهم؛ أن منطقة الخليج بما فيها إيران، تمتلك قدرات هائلة كي تصبح منطقة اقتصادية عظيمة وهائلة، لولا تلك العلاقات المتوترة مع إيران. ولكن هل سنعتبر من تاريخ أوروبا ونتجاوز الحروب إلى التعاون والثقة المتبادلة؟ أم أن المنطقة ستحتاج إلى عقود من عدم الاستقرار أو ربما المزيد من الحروب من أجل انتشار الوعي وإدراك لأهمية الاستقرار والتواصل الثقافي بين شعوب المنطقة؟ أتمنى وأدعو الله أن نتجاوز حالة الاضطراب هذه إلى الثقة والاستقرار، وأن ييسر الله باباً كي يتمكن العقلاء في إيران من تحجيم المتشددين والأخذ على أيديهم.