هو ميلاد آخر ذاك الذي يعيشه السجين السابق كردي أحمد والد، بعد 13 عاما و8 أشهر قضاها خلف قضبان سجن جازان إلى أن تكشفت لاحقا براءته مما نسب إليه. ويتذكر كردي أيامه هناك مع أمل الخروج الذي تأخر ويتبعها بكثير من التنهدات.

"لم أصدق في بداية الأمر".. يصف كردي لحظة البشارة التي تلقاها من مشرف العنبر بإطلاق سراحه بكثير من الذهول ويضيف: عند تلك الساعة وقفت بين مصدق ومكذب.

غير أن شرودا لازمه وهو يحكي آخر دقائق سجنه وكأنه يبحث عما ينسيه العذابات السابقة: لملمت حاجياتي التي تعايشت معها لسنوات في السجن، وجمعت مذكراتي وأوراقي وخبر "الوطن" الذي نشر قبل سنوات حول براءتي.

ومع أول خطوات العودة إلى عالمه المنتظر، تنفس بتنهيدة: لقد ولدت من جديد، ولدت مع الحرية، لم أعد أرى تلك القضبان.




تزاحمت "حروف الجر" في حياة السجين كردي، وتكررت في عباراته التي سردها في حديثه لـ "الوطن" أمس، حيث يقول "عملت في شرطة بيش حتى قبض على فيها وأطلق سراحي منها وسأعود قريباً للعمل بها"، مضيفاً أنه كان واثقاً من العدالة الربانية ثم عدالة ولاة الأمر وعلى رأسهم خادم الحرمين الشريفين الملك عبد الله بن عبد العزيز، وولي عهده صاحب السمو الملكي الأمير سلطان بن عبد العزيز، والنائب الثاني لرئيس مجلس الوزراء، وزير الداخلية صاحب السمو الملكي الأمير نايف بن عبد العزيز، ونائب وزير الداخلية صاحب السمو الملكي الأمير أحمد بن عبد العزيز، وأمير منطقة جازان الأمير محمد بن ناصر. وأكد أنه تيقن من أن براءته ستظهر عاجلاً غير آجل.

بهذه العبارات بدأ حديث كردي أحمد والد الذي أطلق سراحه بعد أن أمضى في السجن 13 عاماً و8 أشهر بعد تهمة لحقت به وهو بريء منها.

وكان أمير جازان عرض على النائب الثاني لرئيس مجلس الوزراء، وزير الداخلية تعويض المطلق سراحهم عن فترة سجنهم وجلدهم، وكذلك مكافأة اللجنة على الجهود المبذولة من بداية توفر المعلومات حتى القبض على الجناة.

وأكد كردي (38 عاماً) أنه لم يصدق بشارة إطلاق سراحه التي زفها له المشرف على العنبر أحد ضباط سجن جازان، قائلاً "لم أصدق في بداية الأمر لأنني عشت 13 عاماً على أمل الخروج، وعند تلك الساعة وقفت بين مصدق ومكذب"، مشيراً إلى أنه تأكد من ساعة الفرج بعد أن أعلموه بخطاب إطلاق سراحه، فأخذ يلملم حاجياته التي تعايش معها 13 عاماً في السجن، وجمع مذكراته التي كان يكتبها في سجنه، وأوراقه، وخبر صحيفة "الوطن" الذي نشر قبل سنوات، يشير فيه إلى براءته، مؤكداً أنه كان يقرأ هذا الخبر يومياً بانتظار خبر آخر عن إطلاقه.

ويواصل كردي قصة مغادرته لعنبر القتل رقم "1"، مشيراً إلى أنه غادر السجن بعد صلاة العصر.

وقال "لقد ولدت من جديد، ولدت مع الحرية، لم أعد أرى تلك القضبان". ويضيف كردي "انتقلت مباشرة عبر شوارع جازان التي أتذكر أنها لم تكن سوى شارعين أو ثلاثة وخالية من المباني، حيث سرنا حتى توقفت بنا السيارة في مديرية شرطة جازان التي اعتمدت أمر إطلاقنا".

وأضاف أنهم أفادوه بأنه سيتم تسليمه لمركز شرطة بيش، وهو ذات المركز الذي بدأ فيه حياته العملية برتبة جندي عام 1417 وبقي يعمل فيها حتى قبض عليه عام 1419. وقال "انقطعت عن العمل وإعمالاً للمادة 13 نظام خدمة الأفراد، سأعود قريباً إلى ذات المركز الذي كان منه عملي ثم ظلمي، ثم الإفراج عني ثم عودتي للعمل فيه". وقال مواصلاً سرد التفاصيل "وصلنا لمركز بيش وتم إطلاق سراحنا بعد إكمال الإجراءات من قبل شرطة بيش، وعند خروجي مع أخي لم أعرف قريتنا ولا منزلي، فقد ولدت من جديد وتوقفت السيارة أمام منزلي الذي كان عبارة عن غرفة واحدة فقط، والقرية ليس بها سوى بضعة منازل. أما الآن فقد اكتظت بالسكان". وأضاف أن والده كان يقف بالباب لاستقباله رغم ما ناله من أمراض وجلطات اضطرته إلى الاستعانة بعصاً حتى يستطيع الوقوف، وكذلك أمه التي أبيضت عيناها من الحزن عليه حيث كانت تبكي ليلاً ونهاراً، ولم تصدق عودته إلا عندما رأته بباب المنزل. كما كان في انتظاره أبناؤه الذين لم يدخلوا المدرسة عندما أدخل هو السجن حيث فوجئ بأن أكبرهم الآن أحد المتفوقين في الصف الثالث الثانوي.

واختتم كردي حديثه بأنه يتطلع إلى العودة لعمله حتى يتمكن من علاج والده، ويعلم أبناءه ويعوضهم عن السنوات التي أبعدته عنهم ظلماً، مناشداً المسؤولين في الأمن العام السماح له بالعودة إلى عمله عاجلاً.

من جانبه، أوضح شقيقه الأكبر خدشان، أن أسرته تكبدت المشاق، وتحملت العناء، وواجهت كل المصاعب حتى ظهرت براءة شقيقه كردي بعد 13 عاماً، مشيراً إلى أن المرض حل بوالده وبمعظم أفراد الأسرة حتى أصبح يسكن أجسادهم، مقدماً شكره لولاة الأمر الذين أنصفوا شقيقه وظهر الحق على أيديهم.

وعلمت "الوطن" من مصادرها أن السجين كردي سيعود إلى عمله قريباً في شرطة جازان وذلك بعد استكمال إجراءاته.