التصحر في جزيرة العرب واقع جغرافي فرضته العلاقات الفلكية بين كوكب الأرض والشمس، وقد تحدثت عن هذا الموضوع في المقال السابق، ولا توجد قوة على سطح الأرض قادرة على تغيير هذا الواقع المناخي، ولكن من الممكن لو انتهجنا الطرق العلمية الصحيحة أن نخفف من وطأة هذا الواقع المناخي، ولكن قبل الخوض في هذا الموضوع أحب أن أتطرق بإيجاز لأهم الموارد أو المصادر المائية في جزيرة العرب والتي تنقسم إلى قسمين رئيسيين، القسم الأول: يطلق عليه اسم المياه غير المتجددة أو المياه الأحفورية Fossil water ، وهي مياه تكونت في أحواض أو صهاريج تحت سطح الأرض منذ ملايين السنين تقدر كمياتها ببلايين الأمتار المكعبة، وهي مياه نقية خالية تماما من التلوث، وهذه المياه لا تتأثر بهطول الأمطار وهي غير متجددة تماما، شأنها في ذلك شأن البترول!! هذا الكم الهائل لهذه المياه الفريدة في نوعها، استنزفت بغير حق في وهم اسمه زراعة القمح، السبب في هذا الاستنزاف والهدر يعود إلى افتقارنا إلى إدارة واعية للمياه في المملكة العربية السعودية، أضف إلى ذلك جشع المنتفعين من زراعة القمح!! وبهذه الأفعال غير المسؤولة فقدنا رافدا إستراتيجيا من المياه، كان من الممكن أن يكون سنداً نعتمد عليه في السنين العجاف القادمة!!

المصدر الثاني للموارد المائية للمياه: يطلق عليه اسم المياه المتجددة Renewable Water وهي في الغالب المياه الجوفية التي تتأثر بهطول الأمطار مثل مياه الآبار والينابيع، ونظرا للتغيرات المناخية التي يشهدها كوكب الأرض، فقد تناقصت معدلات هطول الأمطار بشكل ملحوظ في جميع المناطق الصحراوية في العالم ومنها جزيرة العرب, هذا الأمر تسبب في انحسار كبير في الخزن الإستراتيجي لجميع المياه الجوفية المتجددة في جزيرة العرب، أضف إلى ذلك الاستنزاف الجائر لهذا المصدر المائي في الزراعة، والذي أدى بدوره إلى تفاقم هذه المشكلة.

لا يمكن لأي عاقل أن يدعي أنه قادر على معالجة القحط والجفاف والتصحر في جزيرة العرب ولكن من الممكن التخفيف من وطأة هذا القحط بالعديد من الوسائل، ومن أهم هذه الوسائل هو الاعتماد على مصادر الطاقة المتجددة رخيصة التكلفة وصديقة البيئة، وفي رأيي الخاص أن أهم مصدر لهذه الطاقة هو الطاقة الشمسية الموجودة في العديد من الصور في النظم البيئية، بل وهي متغلغلة في أجسامنا، فالطاقة التي نتخاطب بها هي في الأصل مستمدة من طاقة الشمس!!, واليد التي نستخدمها ونبطش بها مستمدة طاقتها من طاقة الشمس!! و الطاقة التي تتحرك بها أرجلنا هي أيضا مستمدة من طاقة الشمس، حتى طاقة الأبصار التي نرى بها هي أيضا في الأصل مستمدة من طاقة الشمس، بمعنى أن جميع أنماط سلوكنا الحركية والفكرية ووظائف أعضائنا هي في الأصل طاقة مستمدة من طاقة الشمس، ونحن نستمد هذه الطاقة من النباتات والتي بدورها تستمدها من ضوء الشمس وتثبتها في أنسجتها على صورة طاقة كيميائية، وهي في الحقيقة عبارة عن المواد النشوية المتراكمة في أنسجة النباتات، وعملية تحويل طاقة الشمس من صورتها الضوئية إلى صورتها الكيميائية تتم داخل أنسجة النباتات في جود غاز ثاني أكسيد الكربون والماء، في سلسلة من العمليات الكيمائية المعقدة يطلق عليها اسم عملية التمثيل الغذائي Photosynthesis ، وفي عمليات حيوية وفسيولوجية أكثر تعقيدا تقوم بعض الأجهزة في أجسامنا وأجسام الحيوانات الأخرى بتحويل هذه المواد النشوية إلى صور أخرى من مواد أكثر تعقيدا مثل الدهون والأحماض الأمينية أي المواد البروتينية، فالأصل في تكويننا هو ضوء الشمس.!! فلماذا لا نحذو حذو النبات في استغلال الطاقة الشمسية وتحويلها إلى صور أخرى من الطاقة النظيفة المتجددة والتي من الممكن بل ومن اليسير استخدامها في تحلية مياه البحر، هذا الأمر بلاشك سيساهم في التخفيف من وطأة القحط الذي يعصف بجزيرة العرب، وهذا النهج تنتهجه الآن معظم دول العالم، فكيف لا ننتهج مثل هذا النهج وسماؤنا ساطعة بشمسها على مدار الساعة، وفي جميع فصول العام!! وعلى فكرة يتوقع خبراء المناخ في العالم أن جزيرة العرب وجميع صحاري العالم الأخرى ستواجه مراحل صعبة من الجفاف والقحط والتصحر في العقود القادمة!!، وذلك بسبب انخفاض درجة حرارة الشمس عن معدلاتها الطبيعية، نتيجة لانخفاض ملحوظ في عدد البقع الشمسية ( الانفجارات الشمسية) على سطح الشمس، وهذا ما يطلق عليه خبراء المناخ اسم دورة The Maunder Minimum نسبة إلى مكتشفها عالم الفلك البريطاني Edward Maunder حيث في الفترة ما بين عامي 1645 إلى 1715 انخفض عدد البقع الشمسية على سطح الشمس من خمسين ألف بقعة شمسية إلى فقط خمسين بقعة شمسية، هذا الانخفاض عرض كوكب الأرض لموجة جفاف عظيمة، وتسببت في موجات برد قاسية تسببت في انتشار الأوبئة وموت مئات الألوف من البشر!! في المقال القادم ٍإن شاء الله سأتابع سردي عن ميكانيكية التخفيف من وطأة القحط في جزيرة العرب، و دور البحر الأحمر والمنخفضات الجوية في التخفيف من وطأة هذا القحط.