تحدثت ـ منذ أسبوعين ـ على صفحات هذه الصحيفة، عن دور طاقة الشمس في التخفيف من وطأة التصحر في جزيرة العرب، كما أوضحت أن جميع صور الطاقة الأخرى الموجودة على سطح الكرة ما هي إلا صور متحولة من طاقة الشمس بما في ذلك الطاقة التي نتحدث بها! ونسمع بها! ونسير بها!، حتى طاقة البترول والفحم الحجري ما هي إلا صور من طاقة الشمس المتحولة، الطاقة الحركية للرياح والأمواج البحرية العاتية وحركة تيارات المد والجزر هي في أصلها صور من صور طاقة الشمس المتحولة، ويشذ عن ذلك فقط الطاقة النووية.

الإنسان في مراحل تطوره الحضاري استطاع أن يسخر طاقة الشمس وجميع الصور الأخرى المنبثقة منها، فإنسان ما قبل التاريخ استخدم النار كمصدر للدفء وفي العديد من التطبيقات البدائية الأخرى التي تتواكب مع قدراته العقلية، طاقة الرياح غيرت من تاريخ البشرية على سطح الأرض، ولولا هذه الطاقة أي طاقة الرياح والتي هي في أصلها صورة من صور طاقة الشمس المتحولة، لما تسنى للرجل الأوروبي استعمار العالم، فبسفنه الشراعية العملاقة التي تدفعها الرياح اجتاز أعالي البحار، واستعمر العالم، واستغل ثرواته، والحضارة الأوروبية في نظري تدين بالدرجة الأولى للطاقة الشمسية، بعد استخدام البترول في بداية القرن الثامن، وأقول استخداما وليس اكتشافا، فالبابليون اكتشفوا البترول واستخدموه في صورته الأولية (دون تكرير) منذ حوالي 5 آلاف عام تقريبا، وطاقة النفط لها العديد من المساوئ منها أنها طاقة غير صديقة للبيئة، أضف إلى ذلك أنها غير متجددة، أي أنها طاقة مستنفدة لن تدوم طويلا.

طاقة البترول في المملكة العربية السعودية تمثل شريان وعصب الحياة التي تقوم عليها نهضتنا! انعدام البترول يعني انعدام الطاقة الكهربائية، فتخيل أن تعيش بدون كهرباء!، اختفاء البترول يعني بالضرورة، توقف محطات التحلية عن معالجة مياه البحر! فهل من الممكن أن نعيش من غير ماء؟ ولا أريد أن أتحدث عن المياه الجوفية في المملكة فجميعها تقريبا لوثت بمياه الصرف الصحي والصناعي! اختفاء البترول لن يكون بين يوم وليلة ولكنه بالتأكيد يوما سينقرض وينعدم! واليوم محطات البترول تمنحك هدايا عندما تملأ خزان سيارتك منها! ولكن في القريب ستقبل يد عامل المحطة كي يبيعك بضعة لترات من البنزين! وهذه التجربة مررنا بها في الولايات المتحدة الأمريكية في نهاية السبعينات من القرن الماضي. مثل هذه التحديات تفرض علينا أن تكون لنا استراتيجية علمية واضحة، نستطيع بها مواجهة ما هو قادم من نقص في الطاقة، وأن نبحث في كل ما هو مستطاع لتعويض طاقة البترول النابضة، وأنا على يقين تام أن الشمس وجميع صور الطاقة المتحولة عنها قادرة على تعويض طاقة النفط، على أن نعد لهذا الأمر عدته من الآن، وفي هذا الصدد أتمنى إنشاء معهد للطاقة، بالتعاون مع المؤسسات والشركات الدولية العريقة في هذا الشأن، مثل هذا التعاون، سيمثل بارقة أمل قد تكون نقطة تحول في تاريخنا الاجتماعي والاقتصادي والسياسي، وأنا في هذا الصدد لا أريد أن أتحدث عن الاستخدام المباشر لضوء الشمس الذي قطعت فيه العديد من دول العالم شوطا كبيرا أتمنى من الله العلي القدير أن نحذو حذوهم.

البحر الأحمر قد يكون أحد الروافد الهامة للطاقة التي ستسهم بشكل كبير في توفير الطاقة الكهربائية، وتحلية مياه البحر، ولكن قبل توضيح هذه الميكانيكية أحب أن أعرف القارئ ببحرنا الأحمر الفريد من نوعه على سطح كوكبنا الأزرق، يتميز البحر الأحمر بأنه أطول بحر على سطح الكرة الأرضية حيث يمتد تقريبا بين خطي عرض 12 درجة شمالا و31 درجة شمالا، حيث يصل طوله تقريبا 2000 كيلو متر، ولا يوجد بحر بهذا الطول على سطح الكرة الأرضية، هذا الطول المميز للبحر الأحمر أضفى عليه صفات جغرافية وبيئية فريدة من نوعها، هذه الصفات الفريدة دفعت خبراء التوزيع الجغرافي الحيواني والنباتي، في فصل البحر الأحمر عن المحيط الهندي بيئيا حيث اعتبر بيئة منفصلة تتمتع بصفات فيزيائية وكيميائية وبيولوجية، تختلف في الكثير من صفاتها عن بيئة المحيط الهندي، وقد قدر خبراء التوزيع الجغرافي للحيوانات البحرية أن 12% من الحيوانات الموجودة في البحر الأحمر والممثلة لجميع الشعب الحيوانية والنباتية تختلف تماما عن مثيلاتها في جميع بحار ومحيطات الدنيا الأخرى، وأنا أذهب أبعد من ذلك لأقسم وأصنف البحر الأحمر إلى ثلاثة نظم بيئية مختلفة، وهي كتالي النظام البيئي لمنطقة شمال البحر الأحمر، النظام البيئي لمنطقة وسط البحر الأحمر والنظام البيئي لمنطقة جنوب البحر الأحمر، وهذا تقسيم منطقي تفرضه العوامل الفيزيائية للبحر الأحمر فدرجة حرارة شمال البحر الأحمر تختلف عن وسطه تخلف عن جنوبه، هذا الأمر تسبب في تكيف بعض الحيوانات، لكل وسط مما انبثقت عنه أنواع حيوانية ونباتات تخلف في شماله عن وسطه عن جنوبه، هذا التنوع المميز Biodiversity هو الذي دفعني لتقسيم البحر الأحمر إلى ثلاثة نظم بيئية، وهو نفس المبدأ الذي دفع خبراء التوزيع الحيواني في فصل البحر الأحمر بيئيا عن بيئة المحيط الهندي، الحديث شيق ويطول ولنا لقاء مع البحر الأحمر كمصدر فريد من نوعه من مصادر الطاقة.