تنطلق كتاباتي من التأكيد على حق الآخرين في التعبير عن آرائهم، خاصةً حينما تكون تلك الآراء تيسّر على الناس مسألة يريدونها ويجدون حرجاً في التكيّف مع تحريمها. هناك حاجات يفرضها الواقع وتحتاج إلى منقذ شرعي يمكن الناس من التنعّم بصلاح الشريعة لكل زمان ومكان، لهذا فإن فتوى إباحة الاحتفال بأعياد الميلاد لسلمان العودة، أو فتوى إباحة الرقص بالعرضة لعبد المحسن العبيكان، أو جواز الموسيقى لعادل الكلباني، كلها تصب في خانة الرأي المتسامح، والنبي صلى الله عليه وسلم كما في الصحيح رأى أن الدين يسر، ولن يشاد أحد الدين إلا غلبه.

حينما فهم من كلام الشيخ عادل الكلباني على قناة BBC ما يفهم على أنه: "تكفير للشيعة" طرب البعض، ورقصوا، ورأوا أن الكلباني من أئمة الأنام، ومن الراسخين في العلم، ومن أهل الفقه والإلمام، لكن وبعد فتواه الأخيرة في الموسيقى أجلب الناس عليه، شوهوه، صار لقمةً سائغة في ألسنة مدّاحيه بالأمس. لستُ هنا لأناقش فتوى الكلباني، ولا حيثياتها، فلستُ مفتياً، لكنني أناقش السلوك الذي تدار به حالات التقييم للأشخاص، أو ممارسات الجرح والتعديل.

الكلباني شهد له الذين ينتقدونه الآن ـ قبل سنة من الآن ـ بأنه الفهّامة الحبر، الذي استطاع أن يقف لزحف المد الشيعي، وأن الله سينصر به الإسلام، وها هم يحاربونه، وينتقمون منه، لأنه أباح الغناء!

وكم تذكرت مع هذه الحادثة كلاماً لابن بطة نقله عنه الشاطبي في لحظات حزنٍ وجاء فيه: "عجبت من حالي في سفري وحضري مع الأقربين مني والأبعدين والعارفين والمنكرين، فإني وجدت بمكة وخراسان وغيرهما من الأماكن أكثر من لقيت بها موافقاً أو مخالفاً ، دعاني إلى متابعته على ما يقوله ، وتصديق قوله والشهادة له. فإن صدقته فيما يقول وأجزت له ذلك – كما يفعله أهل هذا الزمان – سماني موافقاً، وإن وقفتُ في حرف من قوله أو في شيء من فعله سماني مخالفاً، وإن ذكرتُ في واحد منها أنّ الكتاب والسنة بخلاف ذلك وارد، سماني خارجياً، وإن قرأتُ عليه حديثاً في التوحيد سماني مشبّهاً.. وإن كان في الرؤية سماني سالمياً .. وإن كان في الإيمان سماني مرجئياً".

قال أبو عبد الله غفر الله له: بمعنى أنه لا مفرّ من تصنيفهم. محنة ابن بطة تلك، تصحّ على الكثيرين ممن يحاربون فقط لأنهم يبدون آراءهم، وإذا كانت الآراء التي تبدى ضعيفة فلماذا تستفزكم؟ لماذا تحولون المنابر إلى أدوات لتصفية الخلافات والحسابات؟

أظنّ أننا نحتاج إلى سنوات كثيرة بل وإلى عقود لنستوعب معنى أن نختلف مع غيرنا ثم نحفظ له قيمته وقدره!