يُعد التسجيل العقاري من أكثر الموضوعات أهمية في الواقع العملي لنشاط الأفراد والشركات والهيئات، وأعظمها تأثيراً في تنمية الثروة العقارية.

ويؤكد الدكتور فهد رابح السلمي، أن القطاع العقاري من أهم قطاعات النشاط الاقتصادي، ويتوقف تطويره وتنميته على مستوى تقدم ودقة نظام التسجيل العقاري في تحقيق الاستقرار للملكية العقارية وتأمين التعاملات في العقار.

الملكية العقارية


يرى الدكتور السلمي، أن الأهمية الاقتصادية والاجتماعية للعقار تتطلب في كل مجتمع كبيراً أو صغيراً، وفي كل دولة متقدمة أو نامية، ضرورة إرساء الملكية العقارية على أسُس ثابتة ومتينة، ولذلك أجمعت الأنظمة منذ القدم على وجوب تسجيل التعاملات العقارية لحفظ الحقوق وتمكين الناس كافة من العلم بالمركز النظامي للعقار مما يضمن للملكية العقارية الأمن والاستقرار ويتيح للاقتصاد الوطني النمو والازدهار.

ويشير إلى أن ذلك يتوقف على مدى ما تحرزه أنظمة الدول المختلفة من تقدم في هذا الشأن، وما تحققه من أهداف في التسجيل العقاري بتأمين التعاملات واستقرار الملكية العقارية لتدعيم الائتمان العقاري وتنمية الثروة العقارية.

نشأة التسجيل العيني

يشرح الدكتور السلمي، أهمية التسجيل العيني والتجارب الدولية التي حققت نجاحاً في تنفيذه، وكيفية الاستفادة منها في تفعيل نظام التسجيل العيني للعقار في المملكة العربية السعودية، والانطلاق في تطبيقه نحو آفاق رحبة بهدف تطوير القطاع العقاري وتنمية الثروة العقارية بما يخدم الاقتصاد الوطني وينميه.

ويلفت السلمي، النظر إلى أن مفهوم التسجيل العيني ونشأته ومميزاته، حيث إنه قبل ظهور هذا النظام، كانت الأنظمة المتبعة في تسجيل العقارات تدور حول نظام التسجيل الشخصي وفيه يتم تسجيل ملكية وحقوق الأشخاص في العقارات في سجلات ترتب بحسب أسمائهم، ولذلك سمي بالتسجيل الشخصي، بمعنى أن العقارات لا تعرف بهويتها ومواقعها وإنما تعرف بأسماء مالكيها.

ويضيف «ولما كان العقار هو العنصر الثابت في عملية التسجيل والعنصر المتغير هم الأشخاص الذين يتعاقبون على تملكه، لذلك لم يتمكن نظام التسجيل الشخصي من تحقيق أهداف التسجيل العقاري في استقرار الملكية العقارية وتأمين التعاملات في العقار والحد من النزاعات بشأنها بسبب اعتماده على أسماء الأشخاص في تسجيل العقارات»، مبينا أن «ذلك أدى إلى وجود قصور في أنظمة التسجيل الشخصي عن تحقيق أهداف التسجيل العقاري وإلى ظهور فكرة التسجيل العيني للعقار».

نماذج سابقة

يشير السلمي إلى أن «طريقة التسجيل العيني بدأت تظهر لأول مرة في أستراليا عندما أعلن عنها ودعا لها في سنة 1855، (سير روبرت تورنس) الذي وضع لها قواعد نالت شهرة عالمية وسميت باسمه وعرفت بـ»نظام تورنس»، وأخذت بها كثير من الدول واقتبستها كل منها بالطريقة التي تتلاءم مع تقاليدها وظروفها وعاداتها. فقد صدر في أستراليا الجنوبية قانون 2 يوليو 1858، وبصدوره ولد نظام تورنس الذي يُعد أصل ومصدر جميع التشريعات التي أخذت بنظام التسجيل العيني في العالم.

وكان تورنس أثناء عمله مراقبا للجمارك، على علم بنظام ملكية السفن البحرية الذي يفرض تسجيل السفينة في سجل خاص بالميناء المقيدة به اسم مالك السفينة الأصلي وأسماء الملاك المتعاقبين والأعباء التي تثقلها من رهون وتأمين وغيرها وأسماء المستفيدين من هذه الأعباء، وقيد كل عقد أو تصرف يجري على السفينة حتى يكون نافذاً ومحتجاً به على الغير. وبذلك يكون الإطلاع على هذا السجل كافيا لمعرفة المركز القانوني للسفينة بدقة ويسر وسرعة».

طريقة الاستبدال

يضيف السلمي «لما أصبح تورنس أميناً عاماً للعقود وسعى إلى إقرار نظام مماثل بالنسبة للأراضي، استبدل بميناء التسجيل بالنسبة للسفن، المنطقة العقارية للأراضي، وذلك باعتبار أن مجموعة الملكيات التي تشملها تشبه مجموعة السفن المقيدة في الميناء الواحد، وكل ملكية من هذه الملكيات يمكن اعتبارها وحدة عقارية فهي في المنطقة العقارية مثل السفينة في ارتباطها بميناء القيد»، لافتا إلى أن «السجل العقاري الذي يجري قيد الوحدات العقارية بالمنطقة العقارية يعد بمثابة سجل قيد السفن بميناء القيد. وهكذا ولد قانون تورنس للتسجيل العيني».

تطور طريقة تورنس

أشار السلمي إلى أن «طريقة تورنس تطورت واستكملت عام 1861، بإدخال تعديلات عديدة عليها، بدأ تنفيذها في عام 1873. وظهر نظام التسجيل العقاري الألماني الأكثر تطوراً في عام 1872، وإن كان يشترك مع نظام تورنس في اتخاذ الوحدة العقارية (العقار) أساساً لعملية التسجيل، إلا أنهما يختلفان في كثير من التفاصيل. وتطور تطبيق نظام التسجيل العيني مما أدى إلى وجود النظام السويسري الذي يجمع بين مزايا نظامي تورنس والنظام الألماني في عام 1910 والذي جرى تعديله عام 1987».

وأردف يقول «التسجيل العيني هو طريقة حديثة لتسجيل العقارات تتخذ من العقار (العين) أي الوحدة العقارية أساساً لتسجيل الملكية والحقوق العقارية الأخرى المترتبة على العقار وذلك بإعداد صحيفة في السجل العقاري وقت إنشائه لكل وحدة عقارية في المنطقة العقارية، يوضح فيها رقم العقار واسم مالكه وأوصافه من حيث نوعه وموقعه ومساحته وحدوده وأبعاده والعقارات المجاورة له وماله من حقوق وما عليه من التزامات وما يطرأ عليه من تغير أو تصرفات وما يترتب عليه من حقوق للغير. وتعد الصحيفة العقارية التي تخصص للعقار في السجل العقاري بمثابة السجل المدني للمواطن وتعطي صورة دقيقة عن الحالة المادية والنظامية للعقار وما يطرأ عليها من تغيير يكفي من يطلع عليها للعلم بكل ما يتعلق بالعقار. ولكل منطقة عقارية يتم إنشاء سجل عقاري من مجموع الصحائف العقارية للوحدات العقارية (العقارات) التي تشتمل عليها المنطقة العقارية التي تكون عبارة عن مخطط كامل أو جزء من مدينة محدد بحدود أو معالم ثابتة وواضحة كالشوارع الرئيسية والطرق العامة».

ماهية التسجيل العيني

يكشف الدكتور السلمي ماهية نظام التسجيل العيني، حيث إنه «يعتبر نظاما قانونيا يشتمل على مجموعة من الأحكام والإجراءات النظامية التي تنظم تسجيل العقارات في الدولة وفق طريقة التسجيل العيني، فتحدد هوية العقار وتثبت ملكيته، وقيد الحقوق والتصرفات النظامية الجارية عليه بواسطة سجلات يمكن لكل من يرغب الاطلاع على بياناتها والحصول على شهادات بما جاء فيها.

ويقوم نظام التسجيل العيني على مبادئ أساسية تعتبر خصائص مميزة له، وأولها مبدأ التخصيص، حيث تخصص لكل وحدة عقارية صحيفة تقيد فيها جميع الحقوق والتصرفات الواردة على العقار، وذلك أن جوهر هذا النظام أن يجمع كل ما يتعلق بالعقار في صحيفة واحدة تخصص له في السجل العقاري، ومبدأ المشروعية ومضمونه التحقيق والمراجعة الدقيقة السابقة على إجراء القيد في السجل العقاري، فلا يتم القيد إلا بعد التأكد من مطابقته للحقيقة وصحة التصرف المؤدي إلى قيد الحق واستناده إلى أساس نظامي صحيح وتوافر كافة الشروط الموضوعية والشكلية اللازمة لإجراء القيد بحيث يصير دليلا أكيداً على شرعية هذا الحق، ومبدأ قوة الإثبات المطلقة أو الحجية المطلقة للقيد، فلا يجوز الطعن على بيانات الصحيفة العقارية بالسجل العقاري لأنها تمثل الحقيقة التي لا تطعن عليها، ومبدأ القيد المطلق الذي يوجب قيد جميع التصرفات والعقود والوقائع المتعلقة بإنشاء نقل أو تغيير أو إنهاء الملكية والحقوق العينية الأخرى فلا تكتسب الحقوق ولا تنتقل ولا تتغير أو تزول إلا بقيدها في السجل العقاري. ومبدأ حظر اكتساب الملكية بالتقادم من خلال وضع اليد على العقار في مواجهة المالك المقيد باسمه في السجل العقاري».

مزايا النظام

أردف السلمي قائلا «حرصت غالبية دول العالم على الأخذ بأحكام نظام التسجيل العيني باعتباره أقصى ما أستطاع المنظمون تحقيقه من تقدم في مجال التسجيل العقاري في العصر الحديث لأنه يحقق مزايا عديدة من أهمها توفير الحماية والطمأنينة للمتعاملين في العقار بما يقرره السجل العقاري وبياناته من حجية مطلقة لا يجوز الطعن عليها، وسهولة التعرف على المركز القانوني للعقار فيمكن لمن يرغب في التعامل عليه التحقق من موقعه ومساحته وحدوده ومشتملاته ومالكه وماله من حقوق وما عليه من التزامات بسهولة ويسر بمجرد الاطلاع على الصحيفة المخصصة له في السجل العقاري، وإنهاء حالات تعدد الصكوك وتضارب الحقوق على العقار الواحد وقطع النزاعات بين أصحاب الصكوك والحقوق المتعارضة، والحد من النزاعات على تداخل الصكوك والتعدي على الحدود بين الجيران، وضمان عدم التعدي أو الاستيلاء على أي جزء من العقار لمسحه وضبط حدوده ومساحته ورسم خريطة له يتم على أساسها القيد في صحيفة الوحدة العقارية المخصصة له في السجل العقاري، وتجنب المخاطر الناشئة عن تشابه أسماء الملاك، وحفظ الحقوق التي تحدث في أنظمة التسجيل الشخصي، وحفظ الحقوق وتأمين الملاك وأصحاب الحقوق العينية العقارية ضد ادعاء اكتسابها من جانب الغير بالتقادم عن طريق وضع اليد على العقار أو اغتصابه ووقاية المالك أو صاحب الحق المقيد في السجل العقاري من الدعاوي الكيدية، وتيسير إجراءات تسجيل التعاملات العقارية واختصارها وسرعة تنفيذها»، مشيرا إلى أن هذه المزايا تحقق الهدفين الرئيسيين للتسجيل العقاري وهما: استقرار الملكية العقارية، وتدعيم الائتمان العقاري.

المزايا

توفير الحماية والطمأنينة للمتعاملين في العقار

سهولة التعرف على المركز القانوني للعقار

إنهاء حالات تعدد الصكوك وتضارب الحقوق على العقار الواحد

قطع النزاعات بين أصحاب الصكوك والحقوق المتعارضة

الحد من النزاعات على تداخل الصكوك والتعدي على الحدود بين الجيران

ضمان عدم التعدي أو الاستيلاء على أي جزء من العقار

تجنب المخاطر الناشئة عن تشابه أسماء الملاك

وقاية المالك من الدعاوى الكيدية

حفظ الحقوق التي تحدث في أنظمة التسجيل الشخصي

تيسير إجراءات تسجيل التعاملات العقارية واختصارها وسرعة تنفيذها

استقرار الملكية العقارية وتدعيم الائتمان العقاري