الأزمات كمفهوم معرفي، هي ما يأتي بشكل مفاجئ دون إنذار مسبق، ‏أو مؤشرات تجعل منا على استعداد كامل لمواجهتها والتصدي لها أو ‏الاستسلام والتكييف مع الأوضاع التي تفرضها تلك الأزمة، وسواء ‏كانت هذه الأوضاع اقتصادية أو اجتماعية أو سياسية، فإنها لا محالة ‏ستكون غير مستقرة جراء الأزمة، ويمكن القول إن النمط التكراري ‏لظهور واختفاء الأزمات، حتم على كثير من مراكز الدراسات ‏والمفكرين البحث في سبل التعامل مع مثل هذه الأزمات، ووضع ‏إستراتيجيات لمعالجتها. فالرئيس الأمريكي الأسبق نيكسون قال: ‏الحياة أزمة تلو الأخرى، مما يفرض علينا إعادة فهمنا لمعنى الأزمة ‏والتعامل معها. والواقع أن الاهتمام العلمي بالأزمات لا يعود إلى ‏مجرد كونها ظاهرة متكررة، قد تكون خفيفة في بعض الوقت، أو ‏ذات أثر مزلزل بشكل دائم، بل يعزى هذا الاهتمام إلى النتائج ‏والتداعيات المهمة والخطيرة التي تؤدي إليها مثل هذه الأزمات على ‏جميع المستويات، ومواقف الأطراف المشتركة فيها. ولعل أزمة ‏كورونا خير شاهد في وقتنا الحاضر على إستراتيجية بعض الدول في ‏مواجهة هذه الأزمة، فبعض الدول استسلمت لها بشكل كبير وأخرى ‏بدأت بوضع التدابير، محاولة منها لتخفيف وتقليل الأضرار الناتجة ‏عنها. كل هذه الإجراءات والتدابير والتعامل مع الأزمة، تدخل ضمن ‏مفهوم إدارة الأزمة، وهذا يستنتج منه أن أولى خطوات هذا الإجراء ‏هي الاعتراف بالأزمة والتعايش والتعامل معها، وتقديم حزم التدابير ‏بشكل يخفف من تداعياتها، سواء كانت اقتصادية أو اجتماعية أو ‏سياسية، لكن لعلي أجد أنه من الضروري إيجاد إستراتيجية أخرى ‏للتعامل مع الأزمات، الهدف منها هو تجنب الأزمة وليس مواجهتها، ‏وأعتقد أن هناك بعض مراكز الدراسات والأبحاث والمعامل ‏والمختبرات تعكف على مثل هذا الطرح، والسبب في ذلك أن تجنب ‏الأزمة يعني أن ذلك لا تكون له تبعات أو أضرار جسيمة. إستراتيجية ‏تجنب الأزمات تكمن في ثلاثة محاور، كلها تكون تحت مسمى «بناء ‏إستراتيجية البدائل»، أولها هو المحور الاقتصادي، وهو عصب ‏الحياة، ومعالم اهتزازه في هذه الأزمة كان جليا، خاصة على المنشآت ‏الصغيرة والمتوسطة، وعلى الرغم من أنه لم تحدد إلى الآن الخسائر ‏التي تكبدتها هذه الشركات، إلا أن جميع الشركات تخشى من الركود ‏الاقتصادي، فعلى سبيل المثال، كان سبب الركود الاقتصادي عام ‏‏2008 (الكساد العظيم) بسبب الوفرة غير المنطقية في سوق ‏الإسكان، حيث اعتقد الجميع أن أسعار المنازل ستستمر في الارتفاع، ‏الأمر الذي أدى إلى شراء كثير من المنازل التي لم يتمكنوا من تحمل ‏تكاليفها، مما أدى إلى تدخل الدولة وخطة إنقاذ حكومية بقيمة 700 ‏مليار دولار، كإستراتيجية مواجهة الأزمة، ولكن إستراتيجية البدائل ‏تكمن في خلق الفرص البديلة في حال أصبح هناك ركود اقتصادي، ‏بحيث لا تتعطل الحركة الاقتصادية، وأن تكون هذه البدائل مشاريع ‏مستقلة، موازية للمشاريع الأساسية للدولة، فمتى ما حدثت الأزمات ‏يكون جسر البديل جاهزا، فتكون هذا المشاريع متبعة لسياسة التأثير ‏وليس التأثر.‏

المحور الثاني هو المحور البشري، ونقصد هنا صناعة العقليات ‏والكفاءات التي تحل الإشكالات، وبناء النماذج وقيادة مرحلة صناعة ‏البدائل عن طريق مراكز التفكير والاستشارات، وتطبيق التجارب ‏ضمن مختبرات عملية. أما المحور الثالث فيكمن في المجتمع، وتعبئة ‏وصناعة الوعي للتكيف مع التغيرات جراء هذه السياسات المرحلية، ‏وأن يكون شريكا في بناء البدائل الإستراتيجية، خاصة في مرحلة ‏البناء، فمتى كانت هذه البدائل في مرحلة النضج المعرفي والعملي، ‏استطاعت مؤسسات الدولة تجنب كثير من الأزمات، مهما كانت ‏خطورتها على المجتمع.‏