قال تعالى: {وإذ قال موسى لقومه يا قوم اذكروا نعمة الله عليكم إذ جعل فيكم أنبياء وجعلكم ملوكا}. جاء في تفسير ابن كثير عن ابن عباس في قوله: (وجعلكم ملوكا) قال: الخادم والمرأة والبيت.

وفي صحيح مسلم: أن أبا عبدالرحمن الحبلي قال: سمعت عبد الله بن عمرو بن العاص وسأله رجل، فقال: ألسنا من فقراء المهاجرين؟ فقال له عبد الله: ألك امرأة تأوي إليها؟ قال: نعم، قال: ألك مسكن تسكنه؟ قال: نعم، قال: فأنت من الأغنياء، قال: فإن لي خادما، قال: فأنت من الملوك.

وقال الحسن البصري: هل الملك إلا مركب وخادم ودار.

بل ومن أصبح آمنا في سربه - كما جاء في الحديث- معافى في جسده عنده قوت يومه فكأنما حيزت له الدنيا بحذافيرها.

ونحمد الله أن كل ما ورد في الحديث متوفر لنا في بلادنا، فنحن آمنون في بلادنا المملكة العربية السعودية، معافون في أجسادنا، عندنا قوت يومنا، بل ما هو أكثر من قوت اليوم.

ونحن إذا شكرنا الله زادنا من فضله قال تعالى {وإذ تأذن ربكم لئن شكرتم لأزيدنكم} وإذا ازدرينا نعمة الله، سلب الله منا نعمته، كما فعل في «سبأ» فقد أنعم الله عليهم لكنهم ملوا النعمة وازدروها، فظلموا أنفسهم فكان جزاؤهم ما ذكره الله بقوله: {وظلموا أنفسهم فجعلناهم أحاديث ومزقناهم كل ممزق).

أقول هذا القول لما يسمع في بعض المجالس من بعض الناس من عدم اعتبار لما هم فيه من النعيم، وتخويف للشباب من الفقر والبطالة ونحوهما، وهذا مسلك مخالف للشرع والعقل، لأنه جمع سيئتين:

الأولى: أنه اتباع لمسلك الشيطان، فالشيطان هو الذي يعد الناس الفقر كما قال تعالى: (الشيطان يعدكم الفقر ويأمركم بالفحشاء والله يعدكم مغفرة منه وفضلا والله واسع عليم) فكيف يترك وعد الله، ويتبع وعد الشيطان وتخويفه؟

الثانية: أنه ازدراء لنعمة الله، وتهييج للشباب على ولاتهم - وإن لم يقصدوا ذلك - لكن المآلات تنبني على المقدمات، وكان المتعين أن يذكروهم بنعمة الله عليهم، ويبينوا لهم أن دولتنا كالوالد الرحيم، الخير منها مأمول، وإذا مرت شدة، فإن بعد العسر يسرا، وقد رأى العالم أن بعض دول الغرب المتقدمة تخلت عن مواطنيها في جائحة كورونا، وقال بعضهم: ستفقدوننا أحبابكم، بينما قال ولاتنا: صحة الإنسان قبل المال والاقتصاد، وظهر هذا عيانا بيانا.

في نظري أن ترسيخ الثقة بين الشباب والقيادة في غاية الأهمية، وهو مقتضى العقيدة الصحيحة، وهو أيضا في صالح الشباب والمجتمع بالدرجة الأولى، بينما النظرة السوداوية التشاؤمية لا تحقق خيرا، ولا يستفيد منها المتكلم ولا السامع.

لقد كان الناس في بلادنا قبل حكم الملك عبدالعزيز وأبنائه أعداء فألف الله بينهم بهم، ومتفرقين فجمعهم الله بهم، وخائفين فأمنهم الله بهم، وفقراء فأغناهم الله بهم، وجهالا فعلمهم الله بسببهم؟ وكانت بلادنا صحراء قاحلة، وهي اليوم من دول العشرين المتقدمة في العالم، فنحمد الله على نعمه، ونسأله المزيد من فضله.

ولست في مقالي هذا:

أقلل من أهمية إيجاد مزيد من فرص العمل وضخ مزيد من الوظائف للشباب، فهذا، وإن كان موجودا بحمد الله، إلا أن الرغبة في المزيد مطلوبة، وهو ما يجد عناية فائقة من ولاة الأمر وفقهم الله.

ولكني أقول لصانعي الإحباط: لا تتخذوا مجالسكم مع الشباب مناسبة للتخويف بالفقر، وازدراء نعمة الله التي نتفيأها ولله الحمد في ظل ولاة أمرنا، الذين بذلوا ولا زالوا يبذلون جهودهم في سبيل راحة المواطن ورغد عيشه.

فبلادنا وولاتنا بخير وإلى خير، ومن قال هلك الناس فهو أهلكهم.