يتصدّر رواد الأدب التاريخيون في السعودية، مادة الأطروحات العلمية المقدمة لنيل درجتي الماجستير والدكتوراه في الجامعات السعودية، وفي رصد -غير دقيق- يبرز نتاج الشاعرين محمد حسن فقي وطاهر زمخشري في مقدمة الأدباء المبحثوين، بينما سرديا يبرز اسما صاحب أول محاولة روائية في السعودية (عبدالقدوس الأنصاري)، وصاحب أشهر سيرة ذاتية (عزيز ضياء)، فيما يتصدر الدكتور غازي القصيبي -حسب رصد مبدئي- عدد الرسائل الجامعية التي أُعدت عن أدبه "شعرًا ونثرًا"، وفي السنوات الأخيرة، بدأ اسم الشاعر محمد الثبيتي يلفت انتباه الدارسين والباحثين أكاديميا.

رقم يكبر

580 رسالة علمية، في الأدب السعودي رصدها الدكتور عبدالله الحيدري وفق إحصائية شبه نهائية -حسب قوله- توازعتها عديد الجامعات السعودية ما بين عامي (1966-2020). رقم قد يبدو كبيرا، ومع نشر هذه المادة ازداد العدد ليصل -حسب الحيدري ذاته- إلى 765 رسالة. يكبر الرقم، ويطل برأسه عميقا ومحاذيا له.. سؤال: (هل يتحمل الأدب السعودي كل هذا الكم من الرسائل؟ وماذا قدمت هذه الرسائل؟).


تيسير واكتظاظ

580 رسالة جامعية عدد كبير جدًا، وسيزيد أكثر، والسبب أن معظم جامعاتنا فيها برامج دراسات عليا، ليس ذلك، فحسب، وإنما الكليات الجامعية في المدن التي لا جامعات فيها لدى عدد منها برامج دراسات عليا"، هكذا يجيب الناقد والباحث حسين محمد بافقيه وهو يلتقط تساؤل "الوطن"، ثم يضيف موضحا: "ربما أدى تيسير الالتحاق بتلك البرامج إلى اكتظاظها بالطلبة والطالبات، فكثر الطلب وقلّ العرض، فاضطرت الجامعات أن تيسر على طلابها اختيار موضوعات الرسائل، وربما ظن بعض الدارسين أن درس الأدب في المملكة سهل يسير، بحكم المعاصرة، فكتبوا عن أدباء من جيل الرواد، أولًا، فلما شحّ الموضوع واكتمل تناولوا من يلونهم، حتى بلغوا الأدباء الشبان الذين لم تكتمل تجاربهم الأدبية ولا يزال عطاؤهم ثرًّا".

مضيعة للوقت

القاصة والمترجمة تركية العمري تبدو غير معنية بالرقم، حين تقول منتقدة ما تصفه بالتكرار، وعدم الانفتاح على العصر الرقمي: "بالنسبة لي لا يهمني عدد الرسائل الجامعية، بقدر ما يهمني تنوع موضوعاتها في تناول الأجناس الأدبية وألا تركز على جنس أدبي واحد، أيضا عدم تكرار موضوعاتها، كما نلاحظ في الكثير منها، وأركز هنا أنه لابد أن تتناول هذه الرسائل الأدب السعودي المعاصر وخاصة (شعر الحداثة)، كما أتمنى أن تبحر الرسائل الجامعية في الثيمات التي لم يسلط عليها الضوء، وأن ترصد فضاء ترجمة الأدب السعودي. ولابد أن تواكب هذه الرسائل العصر الرقمي، حتى لا تصبح جهدا ميتا ومضيعة للوقت.

فتوحات الكم

في تأمله لتساؤل "الوطن" يجنح الكاتب القاص عبدالله العقيبي -الذي يعمل حاليا على تحضير أطروحة الدكتوراه في الأدب السعودي- إلى تقسيم إجابته لشقين، لافتا إلى نقطة خطيرة وهي "تغليب الكم على الكيف" ذاكرا: "ما كنت سأتحدث عن هذا الأمر وأنا في وسط معمعة البحث العلمي، لكن لا بأس فالسؤال مهم وجوهري ومؤرق، هل يحتمل الأدب السعودي 580 رسالة علمية؟ وماذا قدمت هذه الرسائل؟ سأقسم إجابتي إلى شقين، الأول من حيث الكم، والآخر من حيث الكيف. فمن حيث الكم، نعم يحتمل الأدب السعودي أضعاف هذا العدد من الدراسات في تصوري، فمجرد الاطلاع على الببلوغرافيا التي يقدمها خالد اليوسف كل عام مشكوراً، يمكن أن نقر بأن عدد الرسائل منطقي جداً، بل يحتاج إلى مضاعفة الجهد لتصل الدراسات إلى مستوى يوازي كمية المنتج الأدبي السعودي.

أما من ناحية الكيف، وإجابة على الشق الثاني من السؤال، ماذا قدمت هذه الرسائل؟ فأنا غير متفائل بالمستوى النوعي، أذكر أن مرشدي العلمي في مرحلة الماجستير قال لي: البحث العلمي ليس مكاناً للفتوحات، فهمت وقتها هذا التوجيه إنه إشارة إلى عدم الاهتمام بالكيف، وللأمانة هذا الخطاب شائع في أوساط طلبة الدراسات العليا، ولهذا الخطاب صداه في نوعية الدراسات.

غياب الأثر

يتفق القاص والروائي صلاح القرشي مع العقيبي في رؤيته تجاه "الكم والكيف" ويقول: "أعتقد أن الأدب السعودي بحاجة إلى الالتفاتات الأكاديمية سواء من خلال الرسائل الجامعية، أو من خلال الندوات والملتقيات وغيرها. ولكن الملاحظ أن هذا العدد من الرسائل الجامعية ينعكس كما وليس كيفا. فالمفترض هو أن تحدث هذه الدراسات أثرها المرجو في طرح التوصيات والتصورات التي تساهم في تقديم هذا الأدب للمجتمع والناس. السؤال هنا هل طلاب الجامعات وحتى طلاب المرحلة الثانوية لديهم الإلمام الجيد بالأدب السعودي؟

ويمضي القرشي في تعميق السؤال، بحثاً عن الأثر الذي تخلفه هذه الدراسات، قائلاً: هل استطاعت هذه الدراسات أن تقدم النماذج الرائعة من هذه الأدب لتصبح في متناول الطلاب، أم أن الأمر لا يتعدى الحصول على الدرجة الجامعية وينتهي عند هذا الحد؟ فالملاحظة الواضحة لكل مهتم بالأدب المحلي، هي ندرة المتابعة النقدية إن لم نقل انعدامها، فأين هم أصحاب هذه الدراسات الأكاديمية عن هذه المتابعة وهذا الاهتمام. أعتقد شخصيا أن السؤال ليس عن مدى احتمالية الأدب السعودي لهذا العدد من الدراسات الجامعية، لكن السؤال هو عن أثر هذه الدراسات وماذا قدمت للأدب السعودي؟

ركام

ينبه القاص والروائي أحمد الدويحي إلى دور أكاديميين عرب من "شمال إفريقيا" في الأمر، ويقول في تعاطيه مع تساؤلات "الوطن": "أذكر مرة سئلت عن غياب النقد ومتابعة الطفرة الروائية؟، فقلت: أنا متأكد أن هذه الطفرة الروائية ستتبعها حركة نقدية مهمة قادمة، وستأتي بالضرورة من الجامعات، ومن أوساط الشباب بالذات ومن الجنسين.

وصدق توقعي فبتنا نشهد دراسات علمية للرواية في الجامعات لنيل الدرجات العلمية الرفيعة، وأستطيع أن أنسب الفضل للأساتذة من دول شمال إفريقيا، وبالذات من تونس في جامعة الإمام محمد بن سعود الإسلامية، لأنهم يعون ويعرفون قيمة الدراسات العلمية، ولأننا في جانب آخر نفتقد لمراكز البحوث والدراسات، فلابد أن نفرح ونبتهج وجيل جديد يتسلح بالعلم والمعرفة، يتناول هذا الركام الأدبي بالدراسة والتشريح لكل الأجناس الأدبية شعرية وسردية ومسرحية.

كما يلفت الدويحي الانتباه إلى: "نتاجنا الأدبي يدرس في جامعات عربية، وهذا شيء جميل ومفرح ويؤكد أن ما نكتبه، يرقى إلى اهتمامات الباحثين والنقاد في العالم العربي، ولا أريد أن أدخل في متاهة نقد بعض مناشط أقسام الأدب في جامعاتنا المحلية، وتناول المثالب التي أعرف منها الشيء الكثير، ولكن ما زال الأمل يحدوني بمشهد أدبي نقي ورفيع، يعنيه الأدب لوجه الأدب ذاته، دون تلاوين لا يحتملها. !

شعرية واغتراب

التفاتة الدويحي لدور أساتذة من دول شمال إفريقيا في تراكم الأطروحات العلمية حول الأدب السعودي، دفعنا للتعاطي مع الأستاذة بجامعة الجزائر الثانية الدكتورة انشراح سعدي، التي حازت الدكتوراه في الأدب السعودي، وعن ذلك تقول "تناولت في أطروحتي الموسومة الاغتراب في الرواية السعودية سنة 2014 وكانت أول عمل في جامعة الجزائر يتناول الرواية السعودية بالنقد والتحليل من خلال دراسة 17 عملا روائيا اخترتهم من مدونة قرأتها وصلت وقتها إلى مئة عمل، انتقيت منه ما انتقيت من أعمال أدخلتني إلى تفاصيل مجتمع لا نعرف عنه الكثير لما له من خصوصية. وما شدني كباحثة عنيت بالسرد السعودي ومازالت بتوجه الطلبة إلى دراسته هو شعرية السرد في الكثير من النصوص الروائية، إذ جرتني متعة هذه اللغة إلى الوقوف عند آليات هذا الخطاب الذي كنت أراه مميزا جدا لما يكتب من نصوص، كثيرا ما كان الاختلاف لا يتجاوز العناوين.

هذه الشعرية نابعة من تفاصيل في تكوين الأديب نفسه والتي وجدتها تتقاطع في تيمات صغرى مشتركة تتضافر لتشكل تيمة كبرى هي اغتراب الفرد عن المجتمع، وظاهرة الاغتراب ليست حكرا على السرد السعودي وإنما ما دامت المجتمعات في تحول مستمر لا بد للفرد فيها أن يعيش هذه الحالة، فجاءت العديد من النصوص -وأنا أطبق منهج جان بير ريشار- لتكشف الحجب عن تحولات كان لابد أن يصلها المجتمع السعودي من جهة ومن جهة أخرى للإجابة عن السؤال المطروح، عملي كان نابعا من قناعتي بأن هذا الأدب سيغير بنية المجتمع كيما يفعل الأدب في جوهره، ولذلك سعيت جاهدة لألفت النظر إلى أسماء خاضت غمار الرواية وأبدعت نصوصا أقل ما يقال عنها أنها بديعة أدخلتنا لعوالم لم نعرفها وشكلت لنا رؤية جديدة هذه الرؤية الجديدة هي التي تفسر الرقم الذي أراه لا يضاهي ما قدمه السرد السعودي، فالنص الواحد حمال أوجه ويدرس وفق مناهج مختلفة ومتنوعة، ولذلك سيبقى الاهتمام بالنص السردي قائما ما دام المبدع يكتب.

قوالب جاهزة

إذا كان العقيبي قد أشار إلى (تغليب الكم على الكيف) في معظم الطروحات العلمية، فإن الناقد حسين بافقيه لا يتردد في الجهر برأيه: "إن عددًا من الرسائل التي اطلعت عليها يشبه بعضها بعضًا في الخطة الداخلية، وذلك خطر على البحث العلمي لأنه يحدّ من الإبداع، ويحوّل البحث إلى قوالب "جاهزة" كالسكة الحديدية لا يحيد عنها الباحث، ولا يراعي طبيعة الموضوع، ولا أصالة الأديب الذي يدرسه. العدد كبير بل كبير جدًّا، لكننا نلقى وسط هذا الركام رسائل جامعية تتسم بالأصالة والقوة والإبداع، ونحن نَعْرِف أن العلوم الإنسانية الإبداع والتميز فيها شاقّ وصعب، وليس عدلًا أن ننتظر من 580 رسالة جامعية أن تكون كلها في مرتبة واحدة من التجويد، ولو خلص لنا منها 50 رسالة ممتازة، فذلك يكفي".

ضعف القدرات

يفصل عبدالله العقيبي، مفصحا عن خلفية ضعف بعض الرسائل بقوله: "السبب وراء ضعف معظم هذه الدراسات العلمية، وتهاوي بعضها الآخر، هو اشتراطات القبول في مرحلتي الماجستير والدكتوراه، فمعظم الجامعات يخضع فيها القبول إلى درجة غير مقبولة من الاستسهال، فالمفترض على طالب مرحلة الدراسات العليا أن يكون ملماً بدرجة معقولة بآليات البحث العلمي، وأن يكون على اطلاع كاف بالحركة الأدبية، لكن في الواقع أن بعض الطلاب يقبل في الدراسات العليا وهو لم يكتب مقالاً علمياً، وبعضم يفتقد مهارة التحرير، وحين يصل إلى مرحلة المشكلة العلمية التي يريد بحثها، يصدم بعدم مقدرته، وبدلاً من أن يكون انتباهه موجها ناحية الإضافة العلمية، يكتفي بالممكن، فيحدث الخلل !

يكفي الاطلاع على كتاب دليل الرسائل الجامعية في الأدب والنقد في المملكة العربية السعودية للدكتور عبدالله الحيدري، ليتضح من عناوين الرسائل عدم أهمية الكثير منها، والتي ينال عليها طلاب الدراسات العليا شهادة الماجستير أو الدكتوراه، ففي عناوين كثيرة منها دلالة على مستوى ضعفها وأهميتها للحركة الأدبية، من قبيل (الأم في الشعر السعودي) و(العيد في الشعر السعودي)، و(الأسرة في الشعر السعودي) و(البحر في الشعر السعودي) وهلم جراً، وللإنصاف هناك رسائل ذات قيمة عالية، مثل الرسائل التي طبعها كرسي الأدب السعودي في جامعة الملك سعود، وهي مقارنة بعدد الرسائل الجامعية، قليلة جداً.

لعاب الناقد

تؤكد الدكتورة السعدي ما ذهب إليه الدويحي في استحقاق الأدب السعودي لاهتمام بحثي علمي، وتضيف: حين بدأت دراسة الأدب السعودي سنة 2011 كانت الدراسات قليلة جدا ولا تعنى بالجانب الموضوعاتي والمضاميني وإنما كانت الدراسات تركز على المناهج السياقية، ولا تعدو القراءة أن تكون وصفا وتحليلا لأعمال كان ينبغي أن يغاص في بنيتها العميقة تثمينا لمجهود أسماء كتبت نصوصا اعتبرها فارقة ليس في الأدب السعودي وإنما في الأدب العربي عموما، كنص المبدعة الكبيرة رجاء عالم الموسوم "طوق الحمام" الذي كتبتهن مكة فكان نصا فيه من آليات التجريب ما فيه حيك بدقة شديدة شدتني كقارئة، منذ أن استنطقت شارعا في مكة "شارع أبو الرووس" ليكون راويا، فحملتنا إلى عالم التحريب في الرواية، وصولا بالسارد العبقري عبده خال في نصه (ترمي بشرر) وعائشة الحشر في (التشظي) وأحمد الدويحي في (وحي الآخرة) وأحمد أبو الدهمان في (الحزام) الذي أبدع في كتابته بالفرنسية، وأسماء كثيرة، كنت حين أقرأ نصوصها أفهم لماذا نلتفت إلى هذا الأدب بالدراسة، ولماذا مازالت الرواية السعودية تسيل لعاب الناقد والباحث.

183 رسالة جامعة الإمام محمد بن سعود الإسلامية

76 جامعة أم القرى

60 جامعة الأميرة نورة وكليات البنات

60 الجامعة الإسلامية

51 جامعة الملك سعود

34 جامعة القصيم

27 جامعة الملك فيصل

22 جامعة الملك عبدالعزيز

21 جامعة الملك خالد

19 جامعة جازان

10 جامعة الطائف

9 جامعة حائل

4 جامعة تبوك

2 جامعة الإمام عبدالرحمن بن فيصل

1 جامعة الحدود الشمالية

1 جامعة جدة

المصدر: الدكتور عبدالله الحيدري