انطلاقاً من كوكب الأرض، وخروجاً من نظامنا الشمسي بأكمله، مهمة فويجر التي أطلقتها وكالة الفضاء الأمريكية «ناسا» تعد من أكثر المهمات إلهاما في جانب استكشاف الفضاء. فالقمر الصناعي فويجر-1 حالياً يعد أبعد شيء عن الأرض صنعه الإنسان. مهمة فويجر بدأت بهدف رئيس، وهو استكشاف الكوكبين المشتري وزحل. وللوصول الى هذا الهدف، تم تصنيع قمرين صناعيين متماثلين، وهما فويجر-1 وفويجر-2. وقت إطلاق القمرين حساس جداً، فقد تم إطلاقهما في وقت يتصادف فيه أن الكواكب الأربعة الأبعد والأضخم في نظامنا الشمسي تكون مصطفة تقريباً، وهو حدث نادر يحدث كل 176 أو175 سنة تقريباً حسب تقدير الحسابات الفلكية. فهذا التصادف المميز يمكّن استخدامه لتسهيل مرور القمرين الصناعيين بالكوكبين المشتري وزحل وغيرهما في حال الرغبة، بالإضافة إلى تسخير جاذبية هذه الكواكب الضخمة لإعطاء دفعة انطلاق للأقمار الصناعية. لذلك تم إطلاق فويجر-2 في شهر أغسطس من تلك السنة وتلاه إطلاق فويجر-1 في الشهر التالي. فسبب ترقيمهما ليس ترتيب إطلاقهما، بل ترتيب وصولهما للكوكبين المشتري وزحل. في نفس الشهر من إطلاق فويجر-1 تم من خلاله التقاط وتلقّي أول صورة لكوكب الأرض مع القمر. بعد سنتين من إطلاقه كان على أقرب نقطة في مساره لكوكب المشتري، ومنها تم التقاط صور للكوكب وأقماره التي تدور حوله، ويظهر فيها وجود صواعق فيه ووجود براكين في أحد أقماره، وكان هذا أول اكتشافين لصواعق ولبراكين خارج كوكب الأرض. وفي عام 1980 وصل فويجر-1 لأقرب نقطة في مساره من كوكب زحل المميز بقوس دائري عملاق يحيط به، والتقط فويجر-1 صور للكوكب وأقماره التي في القوس، وتم اكتشاف أقمار لزحل وغلاف جوي مشابه للغلاف الجوي لكوكب الأرض على أحد أقماره «قمر تيتان». بعد أن أنهى القمر الصناعي مهمته الرئيسة، انطلق في وجهته للخروج من نظامنا الشمسي، الذي خرج منه في سنة 2012. فويجر-2 أيضاً وصل الى أقرب نقطة في مساره من كوكب المشتري بعد سنتين من إطلاقه، وكانت بعد 6 شهور تقريباً من وصول فويجر-1، وكانت البراكين التي رصدها فويجر-1 على أحد أقماره لا تزال موجودة، أي أنها تستمر لفترات طويلة وقد تتوقف وتعود. وتم اكتشاف قمر ثالث للكوكب، ورُصِدت آثار توحي بوجود كمية كبيرة من الماء تحت سطح ثلجي في أحد أقمار الكوكب «يوروبا». بعدها اقترب القمر من زحل وأخذ عدة صور، وتم اكتشاف عدة أقمار أخرى لزحل. وبعد انتهائه من مهمته الرئيسة، انطلق إلى الكوكب التالي في نظامنا الشمسي. أخذ فويجر-2 أول صور للكوكب أورانوس عن قرب فيها تم اكتشاف 11 قمرا جديدا للكوكب. وأخذ أول مقياس حرارة للكوكب الذي يعتبر الأبرد في نظامنا الشمسي، حيث تصل درجة حرارته إلى 353 213 درجة مئوية تحت الصفر. ولم تنته اكتشافاته بعد، فقد اقترب من كوكب نبتون الذي يعتبر الأبعد في نظامنا الشمسي، والتقط له صورا عن قرب من خلالها اكتشفت 5 أقمار جديدة للكوكب. بعدها انطلق الكوكب ليخرج من نظامنا الشمسي في جهة مختلفة عن فويجر-1 وخرج منه في سنة 2018. ما ذكرته مجرد أمثلة بسيطة لاكتشافات مهمة فويجر، فالاكتشافات الناتجة عن أقمارها أكثر وأدق بكثير من الجانب العلمي. وللتواصل مع القمرين عند تعديهما لقمرنا، بُنِيَت بنية تحتية خاصة للتواصل مع الأقمار الصناعية البعيدة كمثلهما. قمرا فويجر الآن خارج نظامنا الشمسي في مسارين مختلفين، ويحمل كل منهما أسطوانة ذهبية. هذه الأسطوانات الذهبية تحمل نبذة عنا نحن البشر في كوكب الأرض في صيغة صور ومقاطع صوتية، تم اختيارها جميعاً بعناية، منها تحيات بـ 55 لغة. كما كتبت في مقالي السابق، حجم نظامنا الشمسي بأكمله قد لا يذكر مقارنة بحجم الكون. أرفقت ناسا هذه الأسطوانات حيث إن وجدت أي كائنات بإمكانها أن تفكر وتستكشف في مكان ما في الكون، لعل هذه الأسطوانات تمر بهم ليستكشفوها ويعلموا عنا وعن كوكبنا. ولكن هذه مجرد إضافة للمهمة فلا نعلم عن وجود كائنات أخرى، ولا نعلم بقدرتها على الاستكشاف إن وجدت، ولا نعلم إن كانت الأسطوانات ستمر بهم، ولا نعلم إذا كان سيتحقق كل ذلك في تاريخ البشرية أو بعده، ولكن إن تحقق كل ذلك، فقد يكون أول تعارف بيننا وبين عالم آخر.