قبل خمسة أعوام مضت، طرح ولي العهد الأمير محمد بن سلمان للعالم أجمع، رؤية المملكة 2030 بمحاورها الثلاثة، الاقتصاد المزدهر، والمجتمع الحيوي، والوطن الطموح، والتي أعلنت بدء عهد جديد من تاريخ السعودية، هدفت إلى نقل الاقتصاد والمجتمع إلى آفاق أرحب، بعزيمة شابة ورؤية وثابة، تستلهم عبر الماضي، وتستصحب معطيات الحاضر، وتستشرف آفاق المستقبل. لم تكن رؤية الأمير الشاب عبارة عن مجرد أمنيات، بل امتازت بالواقعية الشديدة، ودراسة المعطيات والحقائق، كما عملت على استثمار المتاح وتطويره، والعمل على تنميته وزيادته، واستغلال ما يملكه المواطن السعودي من طموح، وما يمتاز به من إرادة وعزيمة. لذلك لم تكد تمر أسابيع قليلة على إعلان الرؤية، حتى بدأ التنفيذ الفعلي لها على الأرض، بسرعة أدهشت الجميع، ولا عجب في ذلك بعد أن توافرت المقومات والإمكانات، واستكملت كافة عناصر النجاح.وفي هذه المناسبة نستذكر ما قاله #خادم_الحرمين_الشريفين:«إن رؤية المملكة 2030 هي خارطة الطريق لمستقبل أفضل لكل من يعيش في هذا الوطن الطموح» وقول سمو #ولي_العهد:«هي رؤية الحاضر للمستقبل التي نريد أن نبدأ العمل بها اليوم للغد بحيث تعبر عن طموحاتنا جميعاً»

في المجال الاقتصادي كان الهدف الأول هو تحويل المملكة إلى دولة ذات اقتصاد متنوع، واستنباط مصادر جديدة للدخل، وتقليل الاعتماد على النفط كمصدر رئيسي ووحيد للدخل، لتجنب التقلبات الحادة التي يشهدها السوق العالمي في أسعاره، لا سيما في ظل الاتجاه العالمي لزيادة الاعتماد على مصادر بديلة للطاقة تكون صديقة للبيئة. كما تم الاهتمام بالاستغلال الأمثل للموارد، لتحقيق التنمية المستدامة، التي تضمن تمتع الأجيال المقبلة بتلك الموارد، بدلا عن استنزافها وإهدارها.

شملت قائمة الأهداف كذلك التركيز على توطين التقنية، والولوج في عوالم اقتصاد المعرفة، وتشجيع الشركات العالمية على زيادة الاستثمار الصناعي في المملكة، عبر منحها مزايا تفضيلية، ودعم قطاع المؤسسات الصغيرة والمتوسطة، وإنشاء أكبر صندوق سيادي في العالم، برأسمال يتجاوز تريليوني دولار، ويقدر حجم ممتلكاته بأكثر من 3% من الأصول العالمية. كما تم الإعلان عن مشاريع عملاقة مثل مدينة نيوم والبحر الأحمر، والقدية وإمالا، وقد قطع العمل في هذه المشاريع شوطا بعيدا، بل إن بعضها تم افتتاح المراحل الأولى منه، وشارف العمل في البعض الآخر على الانتهاء، وهو ما يؤكد ارتباط التخطيط بالواقع.


ورغم التطور الذي شهده القطاع الخاص بفضل الدعم الكبير، الذي قدمته القيادة لرجال الأعمال لاسيما في فترة الإغلاق التي شهدها الاقتصاد الوطني خلال الفترة الماضية، بسبب تداعيات أزمة كورونا، إلا أن القطاع العام شهد بدوره نهضة كبيرة، نتيجة للمفاهيم المتطورة التي دخلت عليه، للدرجة التي جعلته جاذبا للقيادات المؤهلة وذات الكفاءة النوعية، التي دخلته من القطاع الخاص، بحيث شهدت الفترة الماضية هجرة عكسية لتلك الكفاءات، للعمل في القطاع الحكومي.

أما إذا نظرنا إلى ما تم تنفيذه في محور المجتمع الحيوي، فسوف نجد أن الإنجازات لا تقل عما تم تحقيقه في المحور الأول، إن لم تزد عليها. فالرؤية في المقام الأول لم تهدف للنهوض الاقتصادي فقط، بل ركزت على النهوض بالإنسان السعودي أولا، لذلك كان أغلب الأفكار يتحدث عن الإنسان قبل المكان، واهتمت بالاستثمار في الشباب، وتسليحهم بما يساعدهم على التحول إلى عناصر إنتاج وإبداع، بل إن الشباب حازوا معظم بنود الرؤية، لأنهم أقيم ما تمتلكه المملكة من عناصر النمو الاقتصادي، فهي مجتمع شبابي بامتياز. لذلك بدأ العمل فعليا على تنمية هذه الثروة، وزيادة معارفها بالعلم النافع، وصقل مهاراتها لتمكينها من المنافسة في سوق العمل، وتقليل البطالة وسط الشباب من 11.6% إلى 7%.

ومن المجالات التي أولتها الرؤية اهتمامها قطاع المرأة لإنصافها وضمان مكتسباتها، وإتاحة الفرصة أمامها للعمل في كل المجالات، ورفع الظلم عنها وعدم السماح بعضلها أو إجبارها على الزواج. كذلك تم تحديث الكثير من القوانين المتعلقة بالعدة والحضانة والنفقة والسماح للمطلقة برؤية أطفالها، وإثبات حقها في الميراث، ومنع إسقاطه إذا لم تطالب به. وزيادة مساهمة النساء في الناتج المحلي الإجمالي.

أما أبرز ما ركزت عليه رؤية 2030 فهو ترسيخ مبادئ حقوق الإنسان وتعزيزها وجعلها جزءا لا يتجزأ من ثقافة المجتمع، لأنها جزء أصيل من التراث الإسلامي. لذلك شددت في الكثير من فقراتها على ضرورة تحديث وإصلاح القوانين والتشريعات، لتكون متوافقة مع نصوص القانون الدولي، حتى تضمن كافة حقوق الإنسان. كذلك تم خلال السنوات الماضية تدشين طفرة تشريعية هائلة، شملت تعديل وصدور كثير من القوانين لتكون قادرة على استيعاب المتغيرات التي يشهدها العالم المعاصر.

كما شهدت المملكة حملة شعواء على أوكار الفساد المالي والإداري، التي حاولت الاستئثار بخيرات هذه البلاد لأنفسها. وترتبط هيئة مكافحة الفساد مباشرة بالمقام السامي، مما يضمن عدم تعرضها لأي ضغوط. وإجمالا حظيت المنظومة القضائية بتطور لافت، لأن القانون هو الذي يحكم جميع جوانب الحياة، وبدونه لا يمكن للحياة أن تستقيم ولا للحقوق أن تصان.

ولأن الرؤية مشروع شامل، فإن مسؤولية تنفيذها لا تقتصر على السلطات الرسمية فقط، بل إن كافة فئات الشعب ينبغي أن تشارك في ذلك، عبر التفاعل الواسع والإسهام الكبير، والعبء الأكبر في ذلك يقع على عاتق الشباب الذين هم الفئة الأكثر استفادة منها، وذلك لا يكون إلا بنزع رداء التواكل، والتشمير عن سواعد الجد، فإذا كانت القيادة قد وفرت لهم كافة ما يحتاجونه للانخراط في الحياة العملية، فإن تلك الجهود ينبغي أن تقابل بالمثل، وأن يسارعوا إلى دخول مرحلة العمل بتفان وإخلاص، لأن كلا منا يخدم بلاده من الموقع الذي يعمل فيه، وأن يكون كل مواطن معولا للبناء وعينا لحراسة المكتسبات، وبذلك نكون قد ترجمنا مفاهيم الولاء والانتماء أفعالا على أرض الواقع وليس مجرد أقوال.