يُعد النظام البرلماني من أهم الأنظمة وأفضلها في الأنظمة السياسية، وذلك كونه يعبر عن آمال الشعوب وتطلعاتها، ويعتمد في رؤاه على مبدأ الديمقراطية باعتبارها تمثل حكم غالبية مكونات الشعب العراقي، وبعد عام 2005 تم التصويت على الدستور العراقي الجديد، والانتهاء من اختيار النظام البرلماني ليكون هو الركيزة الأساسية في اختيار الحكومة وشكلها عبر أنتخابات حرة مباشرة، يُختار فيها أعضاء البرلمان، ليقوموا بدورهم باختيار الحكومة المركزية، والتي تعبر عن مكونات الشعب العراقي، وتسمي نفسها بالكتلة الأكبر، لكن هذا النهج والمبدأ لم يُعمل به في تشكيل أي حكومة منذ 2005 بل حل محلها «التوافقية والمحاصصة»، وهذا ما أفرز عمليات الفساد الكبرى التي طالت مؤسسات الدولة كافة، حتى وصل الحال إلى أعلى سلطة في البلاد، ألا وهي السلطة القضائية والمفوضية العليا للانتخابات، وأمست تدار بالهاتف.

التحدي الآخر الذي واجه النظام السياسي ككل هو الإرهاب الذي سعى، ومنذ اللحظة الأولى لتشكيل الحكومة، إلى إعاقة وضرب أي تقدم في هذا النظام، بل سعى عامل الإرهاب أن يكون مشاركا في تحديد شكل النظام والآليات من خلال أياديه التي هددت العمل والنظام السياسي أكثر من مرة، ما شكل تحديا وعائقا أمام ديمومة ونجاح هذا النظام، إضافة إلى بروز الأزمات تلو الأزمات، والتي رافقت العملية عبر السنوات الماضية.

الأمر الذي خلق غياب المعارضة السياسية وإيجاد التوازن السياسي المطلوب، ومراقبة الأداء الحكومي، فضلاً عن غياب الرقابة البرلمانية على السلطة التنفيذية، إلى جانب أن كل هذه الأزمات خلقت التجزئة في المجتمع وتحويله، إلى مجتمع متناحر ومتنافر بدلاً من التعايش السلمي بين مكوناته بسبب الانقسام الطائفي والعرقي، وغياب الوعي لدى الجمهور، وتعدد الولاءات السياسية والحزبية جعل الأمر يبدو غير هادئ ومستقر وفي حالة شحن دائم.


التحديات الصعبة التي تواجه النظام السياسي كبيرة، فمنظومة الأحزاب فشلت في إدارة النظام وقيادة الدولة، كما أنها لم تستطع تغيير رؤيتها في التحول بالنظام السياسي من الديكتاتورية إلى الديمقراطية التعددية، وتطبيق بنود الدستور في التحول من الدولة المركزية إلى الاتحادية اللامركزية، إضافة إلى التوجه نحو الاقتصاد الحر بدلاً من الاقتصاد الموجه، والعمل على تطوير المجتمع العراقي من مضطهد إلى عامل ومنتج، ومنسجم مع نفسه ومتعايش سلمياً بين مكوناته.

لا نختلف على أهمية وجود الأحزاب والتيارات كونها تمثل الحالة الديمقراطية، ولكن ليس بهذه الكيفية والحجم من كثرة الأحزاب ما يعني كثرة البرامج والخطابات الانتخابية، والتي يضيع فيها الواضح، ولا يمكن تمييزها بسهولة، لذلك من الواجب إصلاح النظام الحزبي لإصلاح النظام السياسي وبشكل جوهري يكسر حالة الجمود والحلقة المفرغة التي يدور في داخلها النظام السياسي، وبذلك تسهل عملية الإصلاح المؤسسي لهياكل الدولة عموماً، وإيجاد حلقات صغيرة تمثل الجمهور، وبذلك تكون هناك صورة مصغرة للنظام السياسي المتطور.