لن أدخل في سجال المثاليات أو الفرق بين القائد الحقيقي والمدير، ولا مهام المدير نفسه. في بيئة المال والأعمال والمجتمع الوظيفي هناك الكثير من المشاهد والمواقف التي تتراكم في زوايا المكاتب دون الالتفات لها، والنتيجة احتراق وظيفي ونفسي لموظفين بسطاء، يبذلون الكثير ليستمتع بشعور أنه مؤثر وأداؤه من أدوات التحول الكبير، سواء في المنشأة التي يعمل بها أو حتى على مستوى الدولة.

(كلنا فريق واحد) (النجاح لنا جميعًا) (النجاح باسمكم أنتم والإخفاق أنا المسؤول عنه)، مقولات كثيرة يتبناها بعض المديرين في العمل، لكي يكسب ولاء موظفيه ويحفزهم، لكنها واقعيًا لا تعدو عن كونها (فخ) مهني يمارسه كثير من المديرين في ميادين العمل، ظنًا منهم أن ذلك الأسلوب جاذب ومحفز للموظفين، ثم يأتي الواقع ليخالف ذلك تمامًا. فكم من مدير شاهدناه يزاحم موظفيه في صورة مع مسؤول أو سرقة جهدهم، أو نسب ما هو ليس له، لذاته. وكم من مدير يعيش ويقتات على أكتاف موظفيه، ويمتهن الظهور عليها، وكم من مدير سبب نجاحه الرئيس فقط موظفوه. وكم من مدير يقول عن موظفيه في الغرف المغلقة ما يناقض حديثه عنهم في العلن، وكم من مدير يرفض أن تظهر العروض التقديمية لدى القيادات العليا في المنشأة باسم أحد الموظفين، وكم من مدير يزاحم موظفيه على إلقاء كلمة.

بعض المديرين الذين يمارسون هذه التصرفات، وبتلك العقلية في الإدارة، هم أكثر الأشخاص شعبوية في العبارات التحفيزية، وقد يكونون أكثر الأشخاص قراءة لكتب تطوير الذات وروح القيادة وفنون الإدارة. هذا النمط من المديرين، له أسبابه النفسية والاجتماعية، وقد يتشارك فيه غالبًا «حديثو المنصب»!.


نحن -مع الأسف- أمام شواهد عديدة من الممارسات التي تحدث شبه يومي وفي أماكن مختلفة، من قبل بعض المديرين، فالكثير يعاني من مديرين (سارقي الجهد)!. لذلك معايير تقييم أداء المديرين وإنتاجيتهم، يجب أن تكون أكثر دقة وموضوعية، والمنطق في الأساس هو أنه لا يوجد مدير ناجح دون أن يكون لديه كادر مميز، قادر على مساعدته للنجاح وأحيانًا انتشاله. وهذا بالمناسبة موجود حتى في البيئة التعليمية، فهناك أساتذة تعليم عام وجامعات، ينافسون طلبتهم على الفرص ويستغلونهم للظهور، بل ويغارون أحيانًا من نجاحهم!.

لذا عزيزي الموظف، لا تنخدع بالعبارات التحفيزية التي يطلقها بعض المديرين والوعود الكاذبة، ما لم تنعكس عليك وتستشعرها. فمن حقك الوظيفي الذي يكفله لك القانون والنظام، أن يحفظ حقك المهني وأن ينسب أي جهد لصاحبه، فلا تكن ضحية سذاجة وظيفية، أو أن تسمح لسلطة المدير أن يمتص جهدك.

الحديث هنا بطبيعة الحال عن بعض النماذج، وليس للتعميم حيز في مقالي. فكم من مدير يكافئ جهد موظفيه ويتوارى عن الصورة الجماعية ليدعم أصغر موظفيه بكل احترافية. توجد نماذج تقدم العمل باسم المجموعة، وتحرص دائمًا على ذكر جهد وأسماء فريق العمل أمام القيادات العليا في المنشأة. ذلك النموذج رغم أنه إيجابي، إلا أنه هذا الطبيعي والمنطقي، بل والواجب على المدير والقائد الحقيقي تنفيذ ذلك لأنها تعتبر من أبجديات أي عمل قيادي.

يقول رجل الأدب والفيلسوف الفرنسي مونتيسكو: إذا أردت أن تعرف أخلاق أحدهم، فضع الإدارة في يده ثم أنظر كيف يتصرف.