يعرف التطوع بأنه تقديم المساعدة والعون والجهد من أجل العمل على تحقيق الخير في المجتمع عموما ولأفراده خصوصا، وأطلق عليه مسمى عمل تطوعي لأن الإنسان يقوم به طواعية من دون إجبار من الآخرين على فعله، فهو ينبع عن إرادة داخلية، وغلبة لسلطة الخير على جانب الشر، ودليل على ازدهار المجتمع.

ولا يخفى على أحد عظم الأجر والمثوبة التي قرنها الله، سبحانه وتعالى، «بالعطاء»، ولكن ما قد لا يعرفه كثيرون هو أن للعطاء تأثيرا كبيرا ومباشرا في الصحة النفسية والجسدية!، فهناك العديد من الدراسات التي أكدت أن فوائد التطوع لا تقتصر على المستفيد من العمل التطوعي؛ وإنما تمتد لمن يقوم بهذا العمل ويقدم تلك الخدمات، فكل من يسهم سواء بالوقت أو الجهد أو المال يحقق صحة أفضل ممن لا يسهمون بأي شكل في تلك الأعمال؛ ذلك أن السعادة الناتجة عن تقديم المساعدة والعون، والتي تسمى «نشوة العطاء» تؤثر في أجسادنا، فهي تساهم إفراز هرمون الإندروفين الذي يؤدي إلى خفض إفراز هرمونات التوتر بشكل كبير، كما أن فوائد العطاء والعمل الخير تفوق فوائد ممارسة الرياضة أربع مرات أسبوعيا.

وبحسب دراسة نشرتها مجلة «Pain management nurses» فإن بعضا ممن يعانون من الآلام والأمراض المزمنة تخف آلامهم إذا أسهموا في مساعدة الآخرين؛ لأن العطاء يزيد الخلايا المناعية في الجسم.


وأثبتت دراسة أخرى نُشرت في مجلة «Journal of health psychology» عام 1999 أن الأعمال التطوعية أسهمت في تخفيض الوفيات بنسبة تصل إلى 44%، وتُعد هذه النسبة أكبر من النسبة التي نراها نتيجة ممارسة الأنشطة الدينية، وهذه الحقائق العلمية تفسر الأولوية التي أعطاها النبي- صلى الله عليه وسلم- للعطاء والمساعدة حين قال: «من كان في حاجة أخيه كان الله في حاجته».

أما بالنسبة لفوائد الأعمال التطوعية على الصعيد النفسي، فإن الأشخاص الذي يقومون بالتطوع يحققون درجة عالية من السعادة والرضى واحترام الذات، ويصبحون أبعد عن الاكتئاب ممن لا يقومون بالأعمال التطوعية بأشكالها كافة، بل ويمكن أن يكون التطوع والإيثار من أهم الوصفات الطبية التي قد تُعطى لمن يعانون من بعض المشاكل النفسية.

وتمتد فوائد التطوع لتصل إلى الصحة العقلية؛ فقد توصلت العديد من الأبحاث والدراسات التي أجريت على مدار عقود من الزمن إلى أن من يشعر «بنشوة العطاء» تتغير طريقة تفكيره لتصبح أكثر مرونة وإبداعا وتفتحا لاستقبال المعلومات الجديدة.

وهذا يفسر أهمية وجود يوم عالمي للمتطوعين والذي يوافق الخامس من ديسمبر كل عام، والذي يُقام بتكليف من الجمعية العامة للأمم المتحدة، ويُنظر إلى هذا اليوم على أنه فرصة فريدة للمتطوعين والمنظمات للاحتفال بجهودهم، ومشاركة قيمهم، وتعزيز عملهم بين مجتمعاتهم المحلية والمنظمات غير الحكومية ووكالات الأمم المتحدة والسلطات الحكومية والقطاع الخاص. ويقع على عاتق المجتمعات بمكوناتها المساهمة كافة في إحياء ثقافة التطوع لما لها من آثار إيجابية على الفرد والمجتمع.

كما أن التطوع يساهم في التنمية الاقتصادية والثقافية والاجتماعية، ويعزز من مفهوم المواطنة ويترجمه لتطبيقات عملية، ويفسح المجال أمام المنظمات والشركات للمساهمة في تطوير المجتمعات من حولهم، وتحريك عجلة التنمية للأمام.

وفي الخلاصة يمكننا القول، إن صحتك الجسدية والنفسية والعقلية تتأثر بشكل كبير بقدرتك على التطوع والعطاء مهما كان بسيطا، فقد خلقنا الله- سبحانه- بفطرة خيرة تميل إلى الخير، وأكد على ذلك بما قرنه من فضل العطاء الدنيوي والأخروي؛ فالعطاء يعطي خاصية التطهير والتزكية فقال تعالى: «خذ من أموالهم صدقة تطهرهم وتزكيهم بها».